(الإنجليزية) This article is also available in: English
الكاتبة: كريستل بركات
الناشر: المركز اللبناني للدراسات
الرابط الاصلي للمقال
في إطار جهود المناصرة التي يبذلها المركز اللبناني للدراسات في سبيل تحقيق تعافٍ مستدام من انفجار مرفأ بيروت، يكون محوره ووجهته الإنسان وكرامة عيشه. وتماشيًا مع مساعيه الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية المُنصِفة والشاملة للجميع، وبناء الثقة بين الأفراد والكيانات الجمعية والحكومة اللبنانية، أقام المركز شراكة مع منظّمة الشفافية الدولية وفرعها الوطني، أي منظمة الشفافية الدولية لبنان- لا فساد، لإصدار “مرصد الإصلاح”. ترتبط المواضيع التي يغطيها المرصد بمجالات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار، ويندرج نشره في إطار مشروع بناء النزاهة والمساءلة الوطنية في لبنان (“بناء”) المموّل من الاتحاد الأوروبي. الآراء الواردة فيه لا تعكس بالضرورة وجهة نظر الجهة المانحة.
ما هي المسألة المطروحة؟
في عدد سابق من مرصد الإصلاح، تناولَ المركز اللبناني للدراسات موضوع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وأُسُس إنشائها، والتحدّيات التي تواجهها، فضلًا عن أهمّيتها. أمّا العدد الحالي من مرصد الإصلاح فينظر في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب.
بعد أن أقرَّ البرلمان اللبناني القانون رقم 62 بشأن إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب، أُنشئت الهيئتان قانونيًا في لبنان عام 2016. وأدّى إقرار القانون رقم 62 أيضًا إلى إنشاء آلية للوقاية من التعذيب في لبنان. غير أنَّ الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان لم تتشكّل رسميًا حتّى العام 2018، من خلال المرسوم رقم 3267. وفي عام 2019، تولّى أعضاء لجنة الوقاية من التعذيب مناصبهم رسميًا وفقًا للمرسوم رقم 5147.
يعكس إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان ولجنة الوقاية من التعذيب خطوةً إيجابيةً للبنان في الوفاء بالتزاماته بموجب “المبادئ المتعلّقة بمركز المؤسّسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان” المعروفة أيضًا بمبادئ باريس، بما يؤكّد أيضًا التزام لبنان بالبروتوكول الاختياري لاتّفاقية مناهضة التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ولا سيّما المادّة 17.
تتولّى الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المهام التالية:
- ضمان مواءمة القوانين الوطنية مع الأُطُر والمعاهدات والاتّفاقيات الدولية، وتحديدًا قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني
- وضع التقارير الدورية والخاصّة بشأن حقوق الإنسان ونشرها
- إبداء الرأي في كلّ ما تُستشار به الهيئة من المراجع المختصّة لناحية احترام معايير حقوق الإنسان
- تلقّي الشكاوى والإخبارات المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان، والمساهمة في معالجتها
- تعزيز ثقافة حقوق الإنسان ونشرها في لبنان، بما في ذلك تطوير برامج التربية على حقوق الإنسان
أمّا لجنة الوقاية من التعذيب فتُكِّمل عمل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان من خلال حماية حقوق المحتجزين، وذلك عبر زيارة أماكن الاحتجاز، وإجراء مقابلات مع المحتجزين، وتلقّي الشكاوى، ومقابلة الأفراد الذين يملكون المعلومات أو القادرين على المساعدة في عملهم. ويمكن للجنة الوقاية من التعذيب أيضًا الاتّصال مباشرةً باللجنة الفرعية لمنع التعذيب التابعة للأمم المتّحدة وتقديم تقارير إليها.
توجد حاليًا أربع لجان دائمة تابعة للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب، وهي: لجنة القانون الدولي الإنساني، ولجنة تظلُّم الأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل، ولجنة حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولجنة مكافحة الاتجار بالأشخاص.
في عام 2022، أقرَّ البرلمان اللبناني تعديلَيْن على المادّتَيْن 28 و30 من القانون رقم 62. ركَّزَ هذان التعديلان على موازنة الهيئة ونظامها المالي، فضلًا عن مخصّصات أعضاء الهيئة وبداية ولاية أعضاء الهيئة ولجنة الوقاية من التعذيب.
لم تحظَ هذه التعديلات بترحيب العديد من منظّمات المجتمع المدني، لا سيّما تلك المتعلّقة بالمادّة 30. في الواقع، في بيانٍ مشترك، رأت كلٌّ من “جمعية عدل ورحمة”، و”جمعية براود ليبانون”، و”مركز ريستارت لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب”، ومنظّمة “سكون”، و”المركز اللبناني لحقوق الإنسان” أنَّ التعديل يتعارض اعتراضًا مباشرًا مع المادّة 2 من القانون رقم 62 التي تؤكّد على عدم قابلية تجديد ولاية الهيئة واللجنة الممتدّة على ستّ سنوات. وأعربت هذه المنظّمات عن قلقها إزاء الشفافية في تعيين الأعضاء.
واجهت الهيئة واللجنة عراقيل تنظيمية وتمويلية. في الواقع، ثلاثة فقط من الأعضاء الخمسة المُعيَّنين في لجنة الوقاية من التعذيب في العام 2019 يؤدّون مهامهم بشكلٍ فاعل. وبسبب نقص الموارد، لم تتمكّن الهيئة واللجنة من القيام بعملهما. في التقرير السنوي لعام 2022 الصادر عن الهيئة، تمَّ تسليط الضوء على التحدّيات المتعلّقة بعدم إقرار المراسيم التنظيمية منذ العام 2018، والعوائق التي تَحول دون استقلالية الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، وبالتالي لجنة الوقاية من التعذيب. تشمل هذه التحدّيات والعوائق: التعديلات الداخلية والمالية المُقترَحة التي تقف عائقًا أمام الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان ولجنة الوقاية من التعذيب لناحية التعاقد مع المتعهّدين وتوظيف الكوادر، بحسب اعتقاد الهيئة واللجنة. كذلك، ذُكِرَ رفض السلطات إصدار مرسوم بتخصيص مبنى عام مغلق ومهجور للهيئة واللجنة، والتوقيع عليه.
ما أهمية ذلك؟
تُشكِّل الهيئة واللجنة استثمارًا مباشرًا في تعزيز الديمقراطية السليمة وإطار حقوق الإنسان في لبنان. ويُعَدّ هذا الاستثمار ضروريًا لبناء مجتمع مستدام، وتعزيز سيادة القانون، وضمان المعاملة العادلة والمنصفة للأفراد.
يُضافُ إلى ذلك أنَّ عمل الهيئة واللجنة يدعم إرساء القضاء والمعاملة والمحاكمة العادلة والمنصفة للمحتجزين والسجناء. وفي تقريرها المرفوع إلى اللجنة الفرعية لمنع التعذيب التابعة للأمم المتّحدة حول زياراتها إلى مراكز الاحتجاز والسجون في لبنان، كشفت لجنة الوقاية من التعذيب عن استمرار فشل القضاء في التحقيق في ادّعاءات التعذيب.
وصفت لجنة الوقاية من التعذيب السجن المركزي في رومية بأنّه مكتظّ ويفتقر إلى الشروط الصحّية والرعاية الطبّية المناسبة. واعتبرت اللجنة أنَّ مراكز الاحتجاز غير مناسبة لتأدية الغرض المنشود منها، كما أشارت إلى الهواجس المتعلّقة بالاكتظاظ والنظافة والأمراض ودرجة الحرارة داخل المراكز. وقد دقّت ناقوس الخطر تحديدًا بشأن معاملة اللاجئين والعمّال الأجانب في السجون. بشكل عام، دعت لجنة الوقاية من التعذيب إلى إصلاحات تشريعية لمناهضة التعذيب في لبنان.
إنَّ تحسين ظروف عمل الهيئة واللجنة ودورهما يؤدّي مباشرةً إلى تعزيز تنفيذ مبادئ باريس وغيرها من الاتّفاقيات والمعاهدات الدولية. ويساعد ذلك في حماية حقوق الفئات الأكثر هشاشةً، بما في ذلك الأطفال والأشخاص ذوو الإعاقة وضحايا الاتجار، كما أنَّه يُساهِم في تعزيز النظام القضائي اللبناني وزيادة الشفافية في ما يتعلّق بانتهاكات حقوق الإنسان والتعذيب، وخصوصًا في مراكز الاحتجاز والسجون. وأخيرًا، يصبّ ذلك في إطار تعزيز التزام لبنان بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتّحدة، وتحديدًا المادّة الخامسة التي ترفض إخضاع أيّ شخص للتعذيب و”للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”، فضلًا عن المادّتَيْن العاشرة والحادية عشرة المتعلّقتَيْن بالمساواة والإنصاف في الإجراءات القضائية.
مراجع إضافية
كريستل بركات
باحثة في المركز اللبناني للدراسات. تخرّجت مؤخرًّا من برنامج فولبرايت للطلبة الأجانب في لبنان من جامعة نورث كارولينا في غرينسبورو، وهي حائزة على درجة ماجستير في دراسات السلام والنزاعات بتركيزٍ خاصّ على تنمية السلام الدولي. نالت إجازتها في العلوم السياسية والشؤون الدولية بدرجة امتياز عالية من الجامعة اللبنانية الأمريكية. وتشمل مجالات اهتمامها تحليل النزاعات وحلها ونزع السلاح، والعولمة، ودراسات الهجرة واللاجئين، ودراسات المرأة والنوع الاجتماعي.