اطلقت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب،اليوم، عبر موقعها الإلكتروني تقريراً يحمل عنوان “رصد انتهاكات حقوق الإنسان في أماكن الاحتجاز: الحرمان من كل شيء” ويتضمن التقرير نتائج 228 زيارة إلى 182 مركز احتجاز بإدارة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بينها سجن بعلبك وسجن القاصرات في ضهر الباشق ومستشفى الحياة، و 8 مراكز احتجاز بإدارة الجيش اللبناني بينها سجن وزارة الدفاع في اليرزة وسجن الشرطة العسكريّة في منطقة الريحانيّة. كذلك اطلقت تقريراً ثاني بعنوان “زيارة سجني طرابلس وزحلة: الوضع مروّع” والذي يشتمل على تقارير هندسية وطبية وجنائية وقانونية تتعلق بأوضاع هذين السجنين.
قال فادي جرجس، رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب “ان اطلاق هذه التقارير خير دليل على أن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب التي أنشئت بموجب قانون قبل ثمانية أعوام، وصدر مرسوم بتسمية أعضائها قبل ستة أعوام، مصرة على المضي قدماً في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، رغم الحرب التعطيلية المستمرة التي شنت عليها بهدف نزع صلاحيتها وتعطيل دورها وعرقلة أنشطتها التي كفلها قانون إنشائها والاتفاقيات الدولية ذات الصلة لاسيما البرتوكول الاختياري للوقاية من التعذيب والذي ألزم لبنان بإنشاء آلية وقائية وطنية للوقاية من التعذيب. ويأتي إطلاق هذه التقارير رغم شحة الموارد والتعطيل السياسي في مجلس الوزراء وقراراته الاعتباطية التي سعت إلى ضرب استقلالية الهيئة من خلال تكليف وزير العدل بمهمة ليست من مهامة، ألا وهي وضع ملاحظات على نظام الهيئة الداخلي لينتهي الأمر إلى تعطيل شامل ومستمر لمساعي إقرار المراسيم التنفيذية للهيئة في مجلس الوزراء رغم جهود عدد من الوزراء في حكومة تصريف الاعمال من اجل الوصول إلى الحل المنشود ، ولكن للأسف دون جدوى.
ولفت جرجس إلى ان الزيارات إلى مراكز الاحتجاز “تبين ان هناك فهم خاطئ ومنقوص للمادّة (47) من قانون أصول المحاكمات من قبل عناصر الضابطة العدليّة واقتصار تطبيقها على تدوينها على محضر التحقيق دون تلاوتها بشكل واضح.
وأضاف جرجس “رصدنا وجود انتهاكات تتعلق بتطبيق المادّة (108) من قانون أصول المحاكمات التي تضمن عدم حرمان أي شخص من حرّيته دون مسوّغ قانوني وعدم الالتزام بها فيما يخص احترام مدّة التّوقيف وخاصةً أنه يقتضي تعديلها لتصبح أكثر تناسقاً مع القوانين الدولية لجهة عدم التوقيف التعسفي. ومن عدم احترام المادّة (402) من قانون أصول المحاكمات حول الإشراف القضائي إلّا من قبل بعض القضاة في نظارات قصور العدل ولمرّات قليلة.
بدوره قال القاضي خليل أبو رجيلي، نائب رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان ورئيس لجنة الوقاية من التعذيب” أجريت خلال الزيارات 841 مقابلة مع محتجزين زعم 83 محتجز منهم، تعرّضهم للضرب في المخافر من قبل رتباء التحقيق أو خلال إلقاء القبض عليهم. كما زعم قسم من هؤلاء المحتجزين تعرّضهم للضّرب من قبل فروع مكافحة المخدّرات”.
وتابع ابو رجيلي: “إن منع أعمال التعذيب وسوء المعاملة والتحقيق فيها وملاحقة مرتكبيها أمام القضاء والتعويض لضحاياها ليست مسألة سياسة عامة، بل هي التزام مطلق وغير قابل للتقييد ملزم للدولة اللبنانية، بغض النظر عن التزاماتها التعاهدية. لا يمكن التذرع بأي ظروف استثنائية على الإطلاق لتبرير أي ممارسة من ممارسات التعذيب أو سوء المعاملة أو التغاضي عنها؛
وختم ابو رجيلي “للاسف تحاول بعض الجهات التغاضي عن التعذيب أو سوء المعاملة في مراكز الاحتجاز في لبنان، ولقد تجاهلت تفعيل الآلية الوقائية الوطنية للوقاية من التعذيب كما تغاضت عن التطبيق الفعلي لقانون تجريم التعذيب ومعاقبة مرتكبيه، وهذه الزيارات ونتائجها بمثابة جرس إنذار للجميع، ولفتح حوار مع جهات انفاذ القانون والقضاة ووزارتي العدل والداخلية لان أوضاع السجون في لبنان تتدهور من سيئ إلى أسوأ”.
ويلفت التقرير أنّ الانتهاكات التي تطال المحتجزين في مراكز الاحتجاز التي تديرها المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، مردّها الاكتظاظ الشّديد وسوء جودة ونوعيّة الطّعام، وعدم وجود مصدر لمياه الشرب في مراكز الاحتجاز وانقطاع مياه الاستخدام بشكل دوري وعدم توفّر التّيار الكهربائي، وانتهاك حقوق الإنسان لناحية الخصوصيّة والنّظافة والتعرّض لنور الشمس، وإلى وجود عدم المساواة بين المحتجزين فيما يخص الحق بالاتصال والزيارات والمواجهات، ومن مشاكل السوق أمام المحاكم وما يترتّب عليها من انتهاك لحقوق المحتجزين وتأخّر في إجراء محاكماتهم. ورغم ان اوضاع السجون مراكز الاحتجاز التابعة للجيش اللبناني لا تعاني من نفس الظروف، لم يتح للخبراء رصد سوى ما سمح لهم بالوصول إليه من معلومات. ولم يكن لديهم راحة بالتجوّل وكان يوجد دائماً برفقتهم مسؤول عسكري خلال جميع الزيارات.
ويتضمن التقرير التوصيات التي تهدف إلى تحسين الظروف في مراكز الاحتجاز في لبنان ابرزها: الإسراع في عرض الأحداث المحتجزين/ات على القضاء المختص للبت بأمرهم بأقصى سرعه وإخلاء سبيل من يفترض أن يخرج، ونقل الباقين إلى سجون الأحداث لما يلقونه هناك من عمليات تأهيل وتعليم تمكنهم من العودة للاندماج في المجتمع. زيادة عدد النّظارات المخصّصة للنساء في جميع المناطق وذلك لتخفيف الاكتظاظ أوّلاَ ولتسهيل زيارات الأهل ثانياً. الإسراع في الإجراءات القضائية وتقديم إخلاءات السبيل أمام القضاة. تأمين سوق الموقوفين والمحتجزين أمام المحاكم المختصة. العمل على إصلاح وتشغيل النظارات المعطلة في جميع المناطق اللبنانية وخاصة أن الكثير منها لا يحتاج إلى مبالغ كبيرة لإعادة تأهيل.
ولكي تتحقق السلطات اللبنانية من أن تفاعلها مع الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب يستوفي معيار “التعاون الكامل” الذي حدده قانون إنشاء الهيئة والبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب ينبغي لها أن تقوم على وجه الخصوص بما يلي:
أن تتعاون تعاوناً كاملاً مع الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب وتساعدها في أداء مهامها؛
أن تمد الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب بجميع المعلومات التي تطلبها، وترد على رسائلها على نحو واف وسريع؛
أن تستجيب لطلباتها المتعلقة بتفعيل دورها وتدخل في حوار بناء معها بشأن هذه الطلبات؛
اما على صعيد الانتهاكات المتعلقة بتطبيق قانون اصول المحاكمات الجزائية فأوصى التقرير بـ:
- التعميم على القضاة من أجل احترام المادّة (402) والالتزام بها.
- إعداد دورات تدريبية لعناصر قوى الأمن الدّاخلي، وتخصصيّة لرتباء التّحقيق حول أهمية تطبيق المادّة (47) وإلزاميّة احترامها والعقوبات التي يتعرض لها المخالف.
- المتابعة مع نقابتي المحامين من أجل الإشراف على تطبيق المادّة (47) وتفعيل لجنة المعونة القضائية.
- المتابعة مع النائب العام التمييزي لإلزام قضاة النيابات العامة بالتشدد بتطبيق المادّة (47)، كما وإلزام القضاة باحترام المادّة (402) التي تنص على ضرورة الإشراف القضائي على مراكز الاحتجاز وذلك يدفع عناصر قوى الأمن بتطبيق المادّة (47).
خلفية
تعمل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في لبنان وفق المعايير الواردة في الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والقوانين المتفقة مع هذه المعايير. وهي مؤسسة وطنية مستقلة منشأة بموجب القانون 62/ 2016، سنداً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (مبادئ باريس) التي ترعى آليات إنشاء وعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. كما تتضمن آلية وقائية وطنية للتعذيب (لجنة الوقاية من التعذيب) عملاً بأحكام البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة الذي انضم اليه لبنان بموجب القانون رقم 12/ 2008.
التزم لبنان بتطبيق البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب ، في ظل تقاعس حكومة تصريف الاعمال ان القيام بدورها حيث لا تزال مشاريع مراسيم النظامين الداخلي والمالي يقبعان في أدراج مجلس الوزراء دون إقرار أو مصادقة وسط عرقلة موصوفة. كما أن إقتراح مرسوم المخصصات لرئيس وأعضاء الهيئة ما زال مجهول المصير ناهيك عن تخصيص مقر لائق يحترم مبادئ التحالف العالمي للمؤسسات حقوق الإنسان.
لقراءة التقارير على الروابط أدناه:
https://nhrclb.org/archives/1744
https://nhrclb.org/archives/2141