عقد فريق عمل تكامل جهود مكافحة الفساد وتعزيز المساواة اجتماعه الخامس في وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، في محطة مفصلية تهدف إلى إقرار الصيغة النهائية للتوصيات الاستراتيجية وخطة العمل التنفيذية، تمهيداً لرفعها إلى اللجنة الفنية المعاونة للجنة الوزارية لمكافحة الفساد، وذلك بعد مسار تشاركي تراكمي امتد على سلسلة من الاجتماعات والنقاشات المتخصصة.
إطار الاجتماع وأهميته
يأتي هذا الاجتماع في سياق وطني دقيق، تتقاطع فيه أزمات الحوكمة، والانكماش الاقتصادي، وتراجع الثقة بالمؤسسات العامة، مع تفاقم مظاهر الفساد البنيوي، وتوسّع فجوات عدم المساواة، لا سيما بحق النساء، والأشخاص ذوي الإعاقة، والشباب، والفئات المهمّشة. من هذا المنطلق، شكّل فريق العمل مساحة تقنية – سياساتية جامعة، هدفت إلى الربط المنهجي بين مكافحة الفساد من جهة، وتعزيز المساواة والشمولية والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى، باعتبارها مقاربات متكاملة لا يمكن فصلها.
كلمة رئيس الفريق
افتتح رئيس الفريق، السيد علي يوسف، أمين صندوق الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، الاجتماع بالتأكيد على أن المرحلة الراهنة تقتضي الانتقال من النقاشات المفاهيمية إلى تثبيت الصيغة النهائية للتوصيات، موضحاً أن ترتيب الأولويات التنفيذية يبقى من صلاحية اللجنة الفنية المعاونة، فيما ينحصر دور فريق العمل في إعداد توصيات متماسكة، متكاملة، وقابلة للتنفيذ، دون إعادة فتح النقاش في ما سبق التوافق عليه خلال الاجتماعات السابقة.
عرض التوصيات وخطة العمل
قدّمت الخبيرة الاستشارية ندى مكي عرضاً شاملاً للتوصيات الاستراتيجية وخطة العمل المقترحة، بما يشمل الأهداف، المحاور، الأنشطة، الجهات المعنية، والأطر الزمنية. وقد جرى خلال الاجتماع استعراض ملاحظات وزارة الشؤون الاجتماعية، والأخذ بالتعديلات التي تعزز مقاربة تمكين الفئات المهمّشة، وتعزيز المشاركة المجتمعية، وإنتاج المعارف والبيانات، والشفافية الرقمية، بما ينسجم مع المعايير الحقوقية الدولية والالتزامات الوطنية للبنان.
خلاصات النقاشات القطاعية
شهد الاجتماع مداخلات نوعية عكست عمق المقاربة التشاركية. فقد شددت القاضية تريز علاوي، ممثلة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، على أن مكافحة الفساد لا تقتصر على الآليات الزجرية، بل تبدأ من التربية وبناء ثقافة النزاهة، مؤكدة أن الفساد ظاهرة عابرة للقطاعات، ولا يجوز حصر المسؤوليات بوزارات أو إدارات بعينها. كما لفتت إلى ضرورة إيلاء اهتمام خاص للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية عند صياغة السياسات العامة، نظراً للهشاشة المركّبة التي يواجهونها.
من جهتها، أكدت الأستاذة شيرين قطيش، ممثلة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، أهمية الدقة المؤسساتية في استخدام التسميات الرسمية، بما يعكس احترام الأطر القانونية، ويعزز وضوح الأدوار والمسؤوليات.
كما شدد أعضاء الفريق على ضرورة حصر إشراك المنظمات غير الحكومية بالمنظمات الفاعلة فعلياً ضمن آليات التنفيذ، ضماناً للفعالية، ومنعاً للتشظي، إضافة إلى أهمية تأمين بدل نقل للأعضاء والخبراء، بما يضمن استدامة العمل المؤسساتي للفريق.
التوصيات الاستراتيجية، مقاربة شاملة لمكافحة الفساد
اعتمد الفريق حزمة توصيات استراتيجية متكاملة، توزعت على خمسة محاور رئيسية:
أولاً، الإطار القانوني
ركزت التوصيات على مراجعة وتحديث القوانين الأساسية المرتبطة بمكافحة الفساد، مثل قوانين الوصول إلى المعلومات، الإثراء غير المشروع، حماية كاشفي الفساد، والشراء العام، مع إدماج منظور المساواة بين الجنسين والشمولية. كما شددت على مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، ولا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة إلى تحديث قوانين السجون، الأحداث، العمل، والتحرش الجنسي، وإصدار قانون اختياري موحد للأحوال الشخصية، واعتماد كوتا نسائية لا تقل عن 30 بالمئة، وكوتا تمثيلية للأشخاص ذوي الإعاقة.
ثانياً، الإطار المؤسساتي والإداري
دعت التوصيات إلى إعادة إنشاء وزارة التصميم والتخطيط، وتفعيل لجان تحديث القوانين، وتكليف ضباط ارتكاز جندريين وضباط معنيين بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الإدارات العامة. كما شددت على تعزيز استقلالية القضاء، وإنشاء محاكم متخصصة بقضايا العنف ضد النساء، وتطوير أنظمة الشكاوى، وتعزيز دور الأجهزة الرقابية، والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، واللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب، بما يعزز المساءلة ويحد من الإفلات من العقاب.
ثالثاً، تمكين الفئات المهمّشة وتعزيز المشاركة
أكدت التوصيات ضرورة إشراك الفئات المهمّشة في جميع مراحل الاستراتيجية، من التخطيط إلى التقييم، وتعزيز التحول الرقمي الدامج، وتمكين السجناء من حقوقهم، وتطوير برامج إعادة التأهيل، ودعم الدور الاقتصادي للنساء، وإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل، وتعزيز ريادة الأعمال، والتمكين الاقتصادي للشباب والشابات.
رابعاً، رفع الوعي والأطر التعليمية والثقافية
دعت التوصيات إلى إطلاق حملات وطنية توعوية حول الفساد القائم على عدم المساواة، وتعزيز دور الإعلام، وتحديث المناهج التربوية، وإدماج مفاهيم النزاهة، وحقوق الإنسان، وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم الرسمي، بما يرسخ ثقافة المواطنة والمساءلة.
خامساً، إنتاج المعارف والبيانات والشفافية الرقمية
ركزت التوصيات على بناء نظام وطني للبيانات المصنفة من منظور المساواة والشمولية، وتعزيز التعاون بين إدارة الإحصاء المركزي والإدارات العامة والجامعات، وتطوير منصات رقمية للشكاوى، وهوية رقمية موحدة للأشخاص ذوي الإعاقة، بما يعزز الشفافية، ويسهل الوصول إلى الحقوق والخدمات.
خطة العمل، من التوصيات إلى التنفيذ
تُرجمت هذه التوصيات إلى خطة عمل تفصيلية، تحدد الأنشطة، الجهات المعنية، الأطر الزمنية، والمسؤوليات، بما يتيح الانتقال من المقاربة الاستراتيجية إلى التنفيذ العملي، مع التركيز على بناء القدرات المؤسساتية، وتعبئة الموارد، وضمان الاستدامة، والربط بين مكافحة الفساد والتنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.
الخطوات المقبلة
خلص الاجتماع إلى اعتماد التوصيات بصيغتها النهائية، باعتبارها غير قابلة للتعديل، وإقرار رفعها، مع خطة العمل المعدّلة، إلى اللجنة الفنية المعاونة للجنة الوزارية لمكافحة الفساد، تمهيداً للموافقة عليها، والانطلاق في مسار التنفيذ. يشكّل هذا المسار محطة متقدمة في بناء مقاربة وطنية متكاملة لمكافحة الفساد، تقوم على الحقوق، والمساواة، والشمولية، والمساءلة، وتؤكد أن أي إصلاح فعلي لا يمكن أن ينجح ما لم يضع الإنسان وكرامته في صلب السياسات العامة. ويأمل فريق العمل أن تشكّل هذه التوصيات وخطة العمل رافعة حقيقية لاستعادة الثقة بالمؤسسات، وتعزيز دولة القانون، وبناء عقد اجتماعي أكثر عدالة وإنصافاً في لبنان.
هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

