عّقد في بيروت اليوم، المؤتمر الوطني الأول لإعداد خطة طوارئ دامجة للأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان، ضمن إطار مشروع “بِناء” المموّل من الاتحاد الأوروبي والمُدار من قبل منظمة الشفافية الدولية و”جمعية الشفافية الدولية-لبنان”، بالشراكة مع جمعية “أركنسيال” ووزارة الشؤون الاجتماعية، وبمشاركة واسعة من الوزارات اللبنانية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية ومنظمات الأشخاص ذوي الإعاقة.
جاء المؤتمر استجابةً للثغرات الخطِرة التي ظهرت خلال عدوان 2024، حيث كان الأشخاص ذوو الإعاقة من بين الأكثر تهميشًا وحرمانًا من الاستجابة الإنسانية والخدمات الأساسية، إذ لم تشمل خطة الطوارئ الوطنية التي وُضعت عام 2023 أي تدابير خاصة بهذه الفئة.
في كلمتها الترحيبية، شدّدت لودي الحكيم سمرا من جمعية “أركنسيال” على التزام الجمعية بضمان الوصول المتكافئ للمعلومات والخدمات خلال المؤتمر وتوفير التيسيرات اللازمة، بما في ذلك الترجمة الفورية ولغة الإشارة. وأكدت أنّ هذا اللقاء يدمج بين الخطة الوطنية الدامجة للاستجابة الطارئة للأشخاص ذوي الإعاقة وخطة الطوارئ الخاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية، وذلك بهدف سدّ الفجوة التي تركت كثيرًا من الأشخاص ذوي الإعاقة خارج خدمات الحماية خلال الأزمات. وشكرت الوزارات والجهات الداعمة وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي ضمن مشروع “بِناء”، وأعضاء مجموعة المهام الطارئة للأشخاص ذوي الإعاقة على جهودهم في تطوير الخطة وتعديلها لتصبح فعلاً دامجة.
وقدّم الناشط الحقوقي والخبير بإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة والعمل الإنساني ابراهيم عبدالله من “مجموعة المهام الطارئة للأشخاص ذوي الإعاقة”، نموذجًا أوليًا لخطة وطنية دامجة، مؤكداً أن الهدف هو دمج حقوق وحاجات هذه الفئة من مرحلة التخطيط وصولًا إلى إعادة الإعمار. وأشار ممثل المجموعة إلى أنّ هذه الخطوة تأتي ضمن مسار وطني إصلاحي يشمل مصادقة لبنان على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتبنّي الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية والعمل الجاري على الاستراتيجية الوطنية لحقوق وإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة الجديدة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، داعياً إلى تحالف وطني واسع لضمان استجابة شاملة لا تُقصي أحدًا.
ركان ناصر الدين: المسؤولية مضاعفة ومشتركة
وصرّح وزير الصحة الدكتور ركان ناصر الدين أن “نلتقي اليوم بعد عام صعب ودامٍ مرّ على لبنان، عام طبعه العدوان الإسرائيلي الوجشي على بلادنا، والذي لم يوفّر أحداً ، ومن المؤسف أن أشخاصاً انضموا قسراً الى فئة ذةي الإعاقة نتيجة إصابات الحرب الجسدية والنفسية… وهذه النقطة بالذات أي أن الحرب زادت من أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة-تضعنا أمام مسؤولية مضاعفة”….
وأشار الى أن “التجارب المتكرّرة أثبتت أن الاستجابات غالباً ما تفشل حين تُبنى بمعزل عن الفئات الأكثر هشاشة، وفي طليعة هذه الفئات الأشخاش ذوي الإعاقة”. ولذلك “نطلق اليوم خطوة تأسيسية نحو التغيير، خطة طوارئ دامجة للاعاقة ليست مجرد وثيقة تقنية بل هي إعلان نوايا وطنية ورسالة الترام أخلاقي وإنساني وحقوقي”، كما قال. وأكد على 3 رسائل محورية، أولاً أن الإعاقة ليست قضية هامشية بل طارئة وملحة، ثانياً الصحة لا تكتمل دون تنسيق عابر للقطاعات، ثالثاً لا خطة عن الإعاقة دون إشراك ذوي الإعاقة”.
حنين السيّد: بداية تغيير في الذهنية والممارسة
وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين سيّد إن “هذه الخطة هي ثمرة جهد المجتمع الأهلي والمنظمات، ونحن في وزارة الشؤون الاجتماعية سنعتمدها رسميًا ضمن الاستراتيجية الوطنية لحقوق وإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة، إيمانًا منا بأهمية هذا العمل وبضرورة أن يكون صوت الأشخاص ذوي الإعاقة في صلب أي خطة وطنية”.
وأفادت أنّ “اجتماع هذا العدد الكبير من الوزارات والجمعيات والمنظمات يشكّل رسالة أمل بأن لبنان قادر، رغم التحديات، على بناء إدارة أزمات أكثر شمولية وعدلاً تضع الإنسان في صلب الأولويات، مذكّرةً بأن الأشخاص ذوي الإعاقة كانوا من أكثر الفئات تهميشًا خلال الحرب الأخيرة، سواء في المأوى أو الخدمات الصحية أو المساعدات الأساسية”.
كما ثمّنت السيّد، “الجهود التي بذلتها الجمعيات المحلية والمجتمع الأهلي والشركاء الدوليون لتأمين الخدمات والإيواء العاجل”، مؤكدةً “أننا لن نقبل بعد اليوم أن يبقى الأشخاص ذوو الإعاقة في الهامش خلال الأزمات هذه الخطة هي بداية تغيير في الذهنية وفي الممارسة”. وختمت:”وزارة الشؤون الاجتماعية ملتزمة بأن يكون صوت الأشخاص ذوي الإعاقة في قلب أي خطة وطنية أو عملية إعادة إعمار، لأن العدالة لا تتحقق إذا تُرك أحد خلف الركب”.
أما ممثلو “جمعية الشفافية الدولية – لبنان”، فأكدوا أن التعاون مع جمعية “أركنسيال” يمثّل المشروع الثاني ضمن مشروع “بِناء” المموّل من الاتحاد الأوروبي، ويهدف إلى تطوير خطط استجابة طارئة دامجة تضع حقوق الفئات الأكثر تهميشًا ضمن الأولويات منذ مرحلة التخطيط، حتى في أوقات الأزمات حيث يزداد خطر التهميش والإهمال. كما شددوا على العمل مع أكثر من 25 منظمة مجتمع مدني من مختلف المناطق اللبنانية لتحريك الإصلاحات الوطنية والمحلية الأكثر إلحاحًا من خلال “المناصرة التشاركية” في إطار الشفافية والحوكمة الرشيدة.
قدّمت الدكتورة عتاب شعيب المتخصصة في التصميم الجامع، ورئيسة محور الإعاقة والدمج في مركز الدراسات اللبنانية (Disability Hub)، عرضًا تفصيليًا لـ “الخطة الوطنية الدامجة للاستجابة الطارئة للأشخاص ذوي الإعاقة”. واستعرضت الثغرات الكبيرة التي برزت خلال حرب 2024 حيث حُرم العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة من المأوى والخدمات الصحية والدعم الأساسي، مشدّدةً على أنّ الخطة تهدف إلى دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع مراحل الطوارئ من الاستعداد إلى الاستجابة والتعافي، عبر محاور قطاعية تشمل الصحة، الإيواء، التعليم، المياه والإصحاح، الحماية، الأمن الغذائي، والخدمات الأساسية، ومرتكزةً إلى مبادئ إمكانية الوصول، التصميم الشامل، و”لا شيء عنا بدوننا” لضمان مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في التخطيط والتنفيذ وبناء آليات تنسيق ومساءلة مستدامة.
الدمج يعيق التهميش
وفي السياق نفسه، قدّمت خبيرة الصحة العامة والتنمية، الدكتورة دوللي باسيل، الورقة الرسمية الخاصة بـ “الخطة الوطنية للطوارئ للأشخاص ذوي الإعاقة” التي أعدّتها وزارة الشؤون الاجتماعية بالشراكة مع جمعية “أركنسيال” ضمن مشروع “بِناء”. وسلّطت باسيل الضوء على أنّ الخطة تمثل خطوة وطنية رائدة نحو دمج قضايا الإعاقة في الاستجابة للأزمات، مستندةً إلى الدروس المستخلصة من أزمات كبرى مثل انفجار مرفأ بيروت وجائحة كوفيد-19 والحرب الإسرائيلية في 2024، التي كشفت التهميش الحاد الذي تعرض له الأشخاص ذوو الإعاقة وحرمانهم من المأوى والخدمات الصحية والدعم الأساسي.
وأوضحت أنّ الخطة تهدف إلى حماية حياة وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع مراحل الطوارئ (الجاهزية، الاستجابة، التعافي)، وضمان الوصول الشامل إلى المساعدات الإنسانية والخدمات الصحية والتأهيل والحماية الاجتماعية، إضافةً إلى بناء قدرات مؤسسية ووضع أنظمة للتنسيق والمساءلة والتعلم المستمر داخل الوزارة ومع شركائها، وتشمل مكوّنات عملية مثل: إنشاء خلية طوارئ داخل الوزارة، تحديث السجل الوطني وتصنيفه حسب نوع الإعاقة، تجهيز ملاجئ ميسّرة، بروتوكولات للإخلاء والنقل، أنظمة تواصل ميسّرة، وتدريب موظفي الوزارة والبلديات على الاستجابة الدامجة، وفق مبادئ إمكانية الوصول، التصميم الشامل، و”لا شيء عنا بدوننا”.
واختُتم المؤتمر بالتأكيد على أنّ هذه الخطة تمثّل نقطة تحوّل لوضع قضايا الإعاقة في صلب التخطيط الوطني للطوارئ. وخلص المؤتمرون الى توصيات رئيسية أبرزها:
إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع مراحل الطوارئ ضمن الخطط الوطنية والمحلية.
إنشاء خلية طوارئ دائمة في وزارة الشؤون الاجتماعية للتنسيق مع الوزارات والبلديات والجهات الإنسانية.
وضع نظام بيانات وطني مصنّف حسب نوع الإعاقة.
تأمين ملاجئ ميسّرة وتدريب فرق الاستجابة والبلديات على التعامل الشامل مع الإعاقة.
تخصيص بنود واضحة للإعاقة في موازنات الطوارئ.
يمثّل هذا المؤتمر اليوم تأكيداً على أن هذه الخطة تمثل خطوة وطنية تاريخية نحو بناء نظام استجابة إنساني عادل ودامج في لبنان، ووضع الأشخاص ذوي الإعاقة في قلب التخطيط للطوارئ بدلًا من بقائهم على الهامش.
هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)