(الإنجليزية) This article is also available in: English
في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي الهمجي على الأراضي اللبنانية، تواصل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان مراقبة وتوثيق الانتهاكات الجسيمة لقوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين اللبنانيين، وخاصة فيما يتعلق باتفاقيات جنيف والبروتوكولات الاضافية التابعة لها لا سيما البروتوكول الإضافي الثالث لاتفاقيات جنيف المعتمد في ديسمبر 2005 والذي يهدف إلى تعزيز حماية الضحايا، المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، ومنع استخدام شارات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والكريستالة الحمراء بشكل غير قانوني أو الاعتداء على الأفراد والمرافق التي تحمل هذه الشارات، بما يضمن وصول المساعدات الإنسانية والاغاثية والإسعافية إلى المناطق المتضررة دون عوائق، ويمنع استهدافها أو استغلالها لأي أغراض عسكرية.
رصدت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكات جسيمة للقانون الانساني الدولي عبر استخدام القوة المفرطة والممنهجة ضد المدنيين والممتلكات العامة والخاصة، وعدم احترام مبدأ التناسب وحظر العقاب الجماعي، بما في ذلك استهداف العاملين في المجال الصحي والانقاذي والإنساني، لا سيما العاملين ضمن منظمات غير حكومية مسجلة وفق الأصول بحسب قانون الجمعيات وأبرزها جمعية الصليب الأحمر اللبناني وجمعية كشافة الرسالة الاجتماعية والدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية وجمعية فوج الإنقاذ الشعبي وجمعية الرسالة للإسعاف الصحي وجمعية الشفاء للخدمات الطبية والإنسانية وأفواج الإطفاء في الدفاع المدني الفلسطيني وجمعية النداء الإنساني وجمعية الإسعاف اللبنانية والكشاف العربي فوج الدفاع المدني والإنقاذ الشعبي التابع لمؤسسة الشهيد معروف سعد وإسعاف الجبهة الاجتماعية و جمعية ألفة وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والجمعية الطبية الإسلامية وغير من الهيئات والجمعيات التي لديها لديه اطقم مدنية متخصصة في الإطفاء والدفاع المدني والاسعاف ونقل المصابين والجرحى.
وبحسب قاعدة بيانات الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان تم تسجيل سلسلة من الأحداث المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي على لبنان، مع التركيز على المنشآت الصحية والعاملين في المجال الصحي الذين تأثروا بالضربات الجوية الإسرائيلية، وقصف المدفعية، وغيرها من العمليات العسكرية، وذلك بشكل رئيسي بين اوكتوبر 2023 وأكتوبر 2024. وتسلط الضوء على الدمار والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الصحية، والمركبات (سيارات الإسعاف)، بالإضافة إلى الخسائر أو الإصابات التي لحقت بالعاملين في مجال الرعاية الصحية خلال هذه الفترة. إليك ملخص لأهم النتائج:
- المنشآت الصحية: تعرضت العديد من المنشآت الصحية، بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية ومباني الصليب الأحمر، للضرر أو الدمار بسبب الضربات الجوية الإسرائيلية أو نيران المدفعية، وخاصة في محافظتي النبطية والجنوب. كانت المباني الصحية أهدافاً متكررة، مع تقارير عن قصف وحرائق وحتى إغلاق مؤقت بسبب الأضرار الكبيرة.
- سيارات الإسعاف والنقل الصحي: تم تدمير أو إتلاف العديد من سيارات الإسعاف، وشملت عدة حوادث هجمات مباشرة على وسائل النقل الصحي، حيث كانت سيارات الإسعاف تُستهدف بالقنابل الجوية والمدفعية والطائرات بدون طيار. أدت هذه الهجمات إلى وقوع إصابات في صفوف المسعفين والعاملين في المجال الصحي.
- العاملون في المجال الصحي: قُتل أو جُرح عدد كبير من العاملين الصحيين، بما في ذلك المسعفين والممرضين وموظفي المنشآت الصحية، خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية. استُهدف العديد منهم أثناء قيامهم بواجباتهم الإنسانية. تُشير البيانات إلى مقتل ما لا يقل عن 75 من العاملين في مجال الرعاية الصحية وإصابة 57 آخرين في هجمات مختلفة.
- الأسلحة والتكتيكات العسكرية: استخدمت قوات الدفاع الإسرائيلية بشكل أساسي القنابل الجوية من الطائرات والطائرات بدون طيار، وقصف المدفعية، وعبوات ناسفة يتم التحكم فيها عن بُعد. تركزت العديد من هذه الهجمات حول المنشآت الصحية أو أثناء نقل العاملين الصحيين للمصابين.
- العرقلة والإخلاء: في بعض الحالات، أصدرت القوات الإسرائيلية أوامر بإخلاء المنشآت الصحية أو أعاقت الوصول إلى المستشفيات، مما أدى إلى تعطيل الخدمات الطبية.
باختصار، تسجل مجموعة البيانات التأثيرات الواسعة والمدمرة للعمليات العسكرية على البنية التحتية الصحية في لبنان وعلى العاملين في القطاع الصحي خلال فترة النزاع المكثف.
استهداف العاملين في المجال الإنساني
تشير التقارير التي وثقتها الهيئة إلى انتهاكات خطيرة للبروتوكول، بما في ذلك استهداف سيارات الإسعاف التي تحمل شارات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وتدمير البنية التحتية الطبية التي تعد جزءاً لا يتجزأ من الحماية التي توفرها الاتفاقيات الدولية.
تفيد التقارير الميدانية بتكرار الهجمات الإسرائيلية العنيفة التي تستهدف الفرق الإغاثية والطبية في جنوب لبنان والبقاع وبيروت، وآخرها ما تعرضت له فرق الإسعاف التابعة للدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية في بلدات عيترون والعديسة (الجنوب) وجنتا (البقاع). حيث أسفرت ثلاث غارات متفرقة عن مقتل 10 مسعفين في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2024. وبهذا ترتفع حصيلة ضحايا القطاعين الصحي والإغاثي إلى 55 شخصاً وفقاً للبيانات التي جمعتها وزارة الصحة، بالإضافة إلى أكثر من 100 جريح وتعطل العديد من سيارات الإسعاف، وتدمير مراكز طبية وقصف “مستشفى قانا الحكومي” في الجنوب ومستشفى المرتضى في البقاع، مما أدى إلى خروجهما مؤقتاً عن الخدمة. هذه الانتهاكات تمثل خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني الذي يحمي المدنيين والطواقم الطبية والعاملين في مجال الإغاثة في النزاعات المسلحة.
وفي 2 تشرين الأول /أكتوبر 2024 تعرضت المديرية العامة للدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية لغارة إسرائيلية على مركزها في منطقة زقاق البلاط في بيروت ما أدى إلى مقتل سبعة مسعفين.
وفي 3 تشرين الأول/اوكتوبر 2024 أعلن الصليب الأحمر اللبناني عن تعرض احدى فرق الصليب الأحمر اللبناني للاستهداف في منطقة الطيبة ما ادى الى وقوع اصابات طفيفة وقد أكملت الفرق مهمتها الانسانية ونقلت ٥ جرحى وشهيدا من الجيش اللبناني الى المستشفى.
وقال فادي جرجس، رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان إن “أي هجوم على الفرق الإغاثية والمنشآت الطبية هو امتهان للإنسانية، والقصف الإسرائيلي في بيروت ليلة أمس هو للأسف أحدث حلقة في سلسلة قادمة من الهجمات التي طالت سيارات الإسعاف والمستشفيات والعيادات في مختلف المناطق اللبنانية”.
ومضى قائلاً إن “هذا الهجوم يبرز، مرة أخرى، لفتح تحقيق دولي بهدف جلب المسؤولين عن هذه الهجمات غير المشروعة إلى العدالة”.
وذكر جرجس بالدعوة التي وجهتها الهيئة لعقد دورة استثنائية لمجلس حقوق الإنسان بشأن الحالة الخطيرة لحقوق الإنسان في لبنان وأن يعتمد قراراً ينشئ على وجه السرعة لجنة تحقيق دولية مستقلة مستمرة للتحقيق داخل لبنان في جميع الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني وجميع الانتهاكات والتجاوزات للقانون الدولي لحقوق الإنسان التي سبقت 22 أيلول/سبتمبر 2024 ووقعت منذ هذا التاريخ.
وأضاف جرجس ” نطالب الحكومة اللبنانية بالعودة عن قرارها السابق المتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية. ينبغي تكليف وزارة الخارجية على وجه السرعة بتقديم إعلان إلى مسجل المحكمة الجنائية الدولية بقبول اختصاص المحكمة بالتحقيق والملاحقة القضائية في الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة على الأراضي اللبنانية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، 2023.
منذ 20 أيلول/ سبتمبر 2024 تعرضت فرق الإغاثة للعديد من الهجمات في محافظة النبطية حيث سجل مقتل خمسة عناصر من مركز الدفاع المدني في النبطية أثناء مهمة إطفاء في بلدة فرون، وجرح 23 عنصراً في محطات مختلفة، إضافة إلى تضرر المراكز بسبب استهداف الغارات للمحيط القريب منها في النبطية ومرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل، علماً أن سيارات الدفاع المدني تضع شارات الحماية التي تنص عليها اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها.
في 26 آذار/ مارس 2024 طالت الاعتداءات الإسرائيلية فرق الإنقاذ التابعة لجمعية كشافة الرسالة الإسلامية عند أطراف بلدة طيرحرفا، تسبب هذا الاعتداء بأضرار جسيمة في مقر الدفاع المدني لكشافة الرسالة الاسلامية في البلدة، بالاضافة الى اضرار في سيارات الإسعاف وآليات الإطفاء.
وفي 28 آذار /مارس 2024 ارتكبت قوات الاحتلال الاسرائيلي مجزرة بحق 7 مسعفين في بلدة الهبارية ينتمون الى جمعية الإسعاف اللبنانية حيث سوت المقر الذي يعملون بالأرض، واستمر انتشال الجثث والجرحى لساعات.
وفي 3 آذار/مارس 2024 قتل ثلاثة متطوعين قجراء اعتداء إسرائيلي مباشر على مركزٍ اسعافي في بلدة العديسة في جنوب لبنان يتبع للهيئة الصحية الإسلامية.
في 11 كانون الثاني /يناير 2024 اعلن عن نجاة عناصر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية الدفاع المدني، بعد تعرض مركزهم لصاروخ من طائرة حربية إسرائيلية في بلدة الخيام – الحارة الشرقية، من دون أن ينفجر. كما استهدفت طائرة حربية اسرائيلية مركز الهيئة الصحية ومستوصفها بثلاثة صواريخ في حانين، ما أدى إلى استشهاد عنصرين في الدفاع المدني في الهيئة.
“أي هجوم على الفرق الإغاثية والمنشآت الطبية هو امتهان للإنسانية، والقصف الإسرائيلي في بيروت ليلة أمس هو للأسف أحدث حلقة في سلسلة قادمة من الهجمات التي طالت سيارات الإسعاف والمستشفيات والعيادات في مختلف المناطق اللبنانية”.
فادي جرجس، رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان
موقف القانون الدولي
تؤكد الهيئة الوطنية أن هذه الانتهاكات تشكل خرقاً واضحاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وتحديداً اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها. ينص البروتوكول الإضافي الثالث بشكل صريح على أن استخدام الرموز الإنسانية، مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر و الكريستالة الحمراء، يجب أن يُحترم ولا يجوز استهدافه أو استخدامه بطرق غير مشروعة. كما يوجب على الأطراف المتحاربة السماح بمرور المساعدات الإنسانية وحمايتها من أي اعتداء.
ورغم هذه الالتزامات الدولية، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل انتهاكاتها بشكل متكرر ودون محاسبة، وهو ما يثير تساؤلات حول فعالية نظام المساءلة الدولية والقدرة على حماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
خلفية
يضع القانون الدولي الإنساني، المعروف أيضاً باسم “قانون الحرب” أو “قانون النزاعات المسلحة”، قواعد مفصّلة ترمي إلى الحد من آثار النزاعات المسلّحة لأسباب إنسانية. ويحمي القانون الدولي الإنساني خاصة أولئك الذين لا يشاركون أو كفّوا عن المشاركة في القتال ويضع قيوداً على أساليب ووسائل الحرب. والقانون الدولي الإنساني مجموعة من القواعد العالمية. ويتألف القانون الدولي الإنساني من معاهدات دولية وقواعد عرفية المقصد منها معالجة القضايا الإنسانية الناجمة مباشرة عن النزاعات المسلحة، سواء الدولية أو غير الدولية. وتمثل اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية لعامي 1977 و 2005 صلب معاهدات هذا القانون.
عملاً بأحكام المادّة 16 من القانون رقم 62 / 2016 ( إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان) تتولى الهيئة رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني طيلة فترات النزاع المسلّح والمتابعة بجميع الوسائل المتاحة لوضع حدّ للإفلات من العقاب.
مصادر القانون الدولي الإنساني المستمدة من المعاهدات
تُعتبر اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 اتفاقية جنيف الأولى والثانية والثالثة والرابعة المعاهدات الجوهرية للقانون الدولي الإنساني. استكملت هذه الاتفاقيات بروتوكولين إضافيين لعام 1977؛ هما البروتوكول الإضافي الأول المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية، والبروتوكول الإضافي الثاني المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية، علاوة على البروتوكول الإضافي الثالث المتعلق لعام 2005 المتعلق باعتماد شارة مميزة إضافية حيث تم في العام 2005 اضافة هذا البروتوكول الى اتفاقيات جنيف بهدف اضافة اشارة اضافية الى شارتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر و وهي شارة الكريستالة (البلورة) الحمراء. ولقد كان هذا البروتوكول هو استجابة تأخذ في اعتبارها تصورات موجودة في بعض السياقات بأن شارتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر دلالاتٌ دينية أو سياسية، ما قلل قيمة الحماية التي تسبغها الشارتان على الأشخاص والأعيان وجعل من المستحيل على بعض الدول وجمعياتها الإغاثية اعتماد أي منهما لعدم وجود شارة مناسبة لها.
توجد معاهدات دولية أخرى تحظر استخدام وسائل وأساليب معينة للحرب وتحمي فئات معينة من الأشخاص والأعيان من آثار الأعمال العدائية، وتشمل هذه المعاهدات ما يلي:
بروتوكول عام 1925 الخاص بحظر الإستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو ما شابهها.
اتفاقية عام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح وبروتوكولها لعام 1954 و1999 .
اتفاقية عام 1972 المتعلقة بحظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة الجرثومية (البيولوجية) والسموم وتدميرها.
اتفاقية عام 1976 لحظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى.
اتفاقية عام 1980 بشأن حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معيّنة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر. وهذه الاتفاقية هي إطار تكمّله خمسة بروتوكولات تحكم استعمال فئات معيّنة من الأسلحة.
اتفاقية عام 1993 بشأن حظر استحداث وصنع وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدمير هذه الأسلحة.
اتفاقية عام 1997 بشأن استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام (والتي يُطلق عليها اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد).
البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل لعام 2000 بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة.
الاتفاقية الدولية لعام 2006 بشأن حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
اتفاقية عام 2008 بشأن الذخائر العنقودية.
إلى جانب الاتفاقيات يظل القانون العرفي مصدراً مهماً من مصادر القانون الدولي الإنساني. وبوسع هذا القانون سد الفجوات في المواضيع التي لا ينطبق فيها القانون التعاهدي.