غسان مخيبر
محام ونائب سابق
بيت مري في 27 حزيران 2022
السادة الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب
تحية وبعد
الموضوع: رأي بشأن “ملاحظات وزارة العدل على النظام الداخلي للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب”
بناء على طلبكم، يشرفني ان ابدي في ما يلي رأيا بشأن “ملاحظات وزارة العدل على النظام الداخلي للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب” (الهيئة”) الموجهة الى الهيئة بموجب الكتاب رقم 85/5 تاريخ 31 أيار 2022 (“ملاحظات الوزارة”).
يفيد في هذا السياق التنويه بأن الموقع ادناه، فضلا عن اختصاصه وخبراته القانونية، على معرفة عميقة وتفصيلية بالقانون رقم 62/2016 (“قانون الهيئة”) وقد عمل بشكل مكثف ومتواصل على صياغة اقتراح القانون واسبابه الموجبة الذي كان تقدم به الى مجلس النواب بتاريخ 26/11/2010 وشارك في جميع مراحل مناقشته في اللجان التحضيرية والبرلمانية المختلفة وفي الهيئة العامة لمجلس النواب، كما تابع تنفيذه عن كثب.
بعد الإطلاع على ملاحظات الوزارة والصيغ المختلفة لمشروع النظام الداخلي للهيئة، وبعد مراجعة القوانين والمراجع ذات الصلة، لا سيّما رأي كل من مجلس شورى الدولة ووزارة المالية والمراسلات المتعلقة بها، يشرفنا ابداء الرأي المتضمن في التقرير المرفق.
نبقى على استعداد لتقديم أي ايضاح او تفصيل على ما ورد في التقرير المتضمن رأينا وللقاء من يشاء من وزارة العدل أو الهيئة أو أية جهة اخرى لمناقشته ولمتابعته بما قد يفيد من أعمال.
وتفضلوا بقبول الإحترام،
غسان مخيبر
رأي بشأن “ملاحظات وزارة العدل
على النظام الداخلي للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب” (الهيئة”)
الموجهة الى الهيئة بموجب الكتاب رقم 85/5 تاريخ 31 أيار 2022 (“ملاحظات الوزارة”)
أولا – في مسألة الخشية من الإزدواجية في الصلاحيات والمهام بين الهيئة وثلاثة من لجانها الدائمة وبين جهات مختلفة في الدولة:
اعتبرت ملاحظات وزارة العدل ما خلاصته، ان ثلاثة لجان انشأتها الهيئة بموجب مشروع نظامها الداخلي تؤدي الى قيام حالات من “التضارب والإزدواجية” في المهام مع لجان وهيئات قائمة، واشارت بأن لهذه الإزدواجية كلفة مالية كونها جميعها تتقاضى اتعابها من الأموال العمومية. كما اعتبرت ملاحظات الوزارة في استطراد تفصيلي، بأن الهيئة، حين تقوم باجراء اعمال “تلقي الشكاوى واجراء التحريات ومعالجة الشكاوى وبتها” من شأنه ان يتداخل مع عمل الضابطة العدلية كما ومع التحقيقات والقرارات القضائية ذات الصلة؛ لا سيما عندما يضع كل من اللجنة [او اي من المراجع الرسمية المختصة] يده على الواقعة والجريمة عينها”.
أما هذه اللجان والجهات الرسمية فهي التالية:
اللجان المنشأة ضمن الهيئة | الجهات الرسمية القائمة |
1 – لجنة القانون الدولي الإنساني. |
|
2 – لجنة تظلم الأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل. |
|
3 – لجنة مكافحة الإتجار بالأشخاص. |
|
بناء عليه، نبدي الملاحظات التالية:
اولا: بالنسبة للمبادئ التشريعية المتعلقة بتنفيذ معايير حقوق الإنسان بشكل عام والهيئة وقانوها بشكل خاص:
1 – ان المقاربة المعتمدة في الممارسات الفضلى وفي الفقه المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، قائمة على مبدأ إدماج عملية إنفاذ معايير حقوق الإنسان ضمن صلاحيات ومهام جميع السلطات والإدارات العامة والقضاء (هذه المعايير التي كرسها الدستور، والمبادئ العامة والإتفاقيات الدولية التي أبرمها لبنان والقوانين والقرارات الإدارية والقضائية ذات الصلة). ان هذه الممارسات الفضلى تفسّر، لا بل تفرض، وجود مؤسسات متخصصة بحقوق الإنسان بشكل متواز في كل من: مجلس النواب (مثلا: لجنتي حقوق الإنسان والمرأة والطفل) والوزارات (مثلا: وزارة الدولة لشؤون حقوق الإنسان)، والقضاء على مختلف درجاته واختصاصاته، والإدارات المدنية والعسكرية (مثلا: الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، المجلس الأعلى للطفولة، اللجان المذكورة في رأي الوزارة، ومشروع مديرية حقوق الإنسان لدى وزارة العدل، وأقسام ومسؤولي حقوق الإنسان المكلفين لدى عدد من القوى الأمنية والجيش). وبمراجعة سريعة لصلاحيات جميع هذه السلطات والإدارات، يبدو جليا كيف ان هذه الهيئات الرسمية تتولى وظائف وصلاحيات لا تخلو ابدا من الازدواجية، لكن بهدف تفعيل عملية انفاذ مبادئ حقوق الإنسان انفاذا فعّالا، لا سيما في حال تقصير أي من هذه الهيئات في القيام بمهامها المحددة لها.
2 – أما “الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان اللبنانية المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب”، فهي مستوى جديد آخر من مستويات متابعة انفاذ معايير حقوق الإنسان في لبنان، وهي مختلفة عنها جميعها: فهي تتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة عن الدولة وبالإستقلال الإداري والمالي؛ وهي من حيث شخصيتها المعنوية واستقلالها المذكورين بصراحة القانون، لا يمكن قياسها بما تختص به مع اي من السلطات الدستورية او الإدارية أو القضائية الأخرى، لأنها خارجها جميعها ومكلفة بقوة القانون وامره بتأدية مجموعة واسعة من المهام والصلاحيات المتخصصة بحقوق الإنسان التي حددها لها القانون بمعرفته الواعية بأن هناك سلطات ومؤسسات في الدولة تؤدي مثيلاتها وان كان فيها تضارب او تماثل او ازدواجية، وذلك من اجل اجراء الرقابة التقييمية عليها كلها، ومن اجل سد الثغرات والسهر على حسن احترام حقوق الإنسان وانفاذ معاييره وقوانينه انفاذا دقيقا ومستقلا.
3 – في موضوع نتائج الإزدواجية في المهام على التكلفة المالية: لقد أقرَ قانون انشاء الهيئة بمعرفة واعية للمشرِع بانه لا بد وان يحمِل الدولة تكلفة مالية اضافية، التي لا بد من سدادها لأن الهيئة ركن اساسي من اركان اعلاء شأن دولة القانون في لبنان المبنية على احترام كامل لمبادئ حقوق الإنسان. أما نية المشرع في التوفير والإقتصاد في التكلفة، فقد تجلّت باعتماد إدماج وظيفتين رئيسيتين في هيئة واحدة، أي: حماية وتعزيز حقوق الإنسان بشكل عام من جهة، وانشاء الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب بشكل خاص من جهة اخرى؛ وقد آثر المشرع أن ان ينشئ لهذه الوظيفة الأخيرة لجنة دائمة ضمن الهيئة بدل ان ينشئ لها هيئة مستقلة بذاتها. أما التلميح الى وجوب التوفير اكثر من ذلك عبر اقتراح الغاء لجان ووظائف ضمن الهيئة، فيكون ذلك بمثابة التهرب من المسؤولية الوطنية في حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، المتمثلة في هيئة مكتملة وفاعلة. وأما التقصير في تأمين التمويل الكافي للهيئة، فلا يمكن الا ان يفسر بان الدولة اللبنانية تفتقر الى الإرادة الواضحة لتنفيذ موجباتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، لأن الإلتزام المالي دلالة من دلالات الإرادة السياسية. كما أن القول والعمل بخلاف ذلك، يخالف القانون رقم 273 المنشور بتاريخ 10/3/2022 الذي اكدت اسبابه الموجبة مدى اهمية تمويل الهيئة تمويلا كافيا وفق “المبادئ المتعلقة بمراكز المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان (“مبادئ باريس”) الصادرة بموجب قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 134/48 المؤرخ في 20 كانون الأول/ديسمبر 1993.
4 – بالنظر للمهام العديدة والمتشعبة التي اولاها القانون الى الهيئة، حرص هذا الأخير على ان تتولى كل من هذه المهام لجان متخصصة، دائمة أو محددة، وفي مقدمتها لجنة الوقاية من التعذيب التي اولاها اهتماما ونظاما خاصين، وسائر اللجان الأخرى. لم يكتف القانون بان ينص في المادة 7 على ان “يضع اعضاء الهيئة الأولى نظاما داخليا وماليا … يتضمنان القواعد والأصول التفصيلية التي ترعى تنظيمها وسير عملها، ويقرّان بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء”، بل نص القانون على مادة كاملة (12) خصَ بها لجان الهيئة والتي نصت على ما يلي: “بالإضافة الى اللجنة المنشأة بموجب هذا القانون [أي لجنة الوقاية من التعذيب]، للهيئة ان تنشئ لجانا من اعضائها لأداء مهمات دائمة او محددة وفق ما يحدده نظامها الداخلي”. بالتالي، لا بد من ملاحظة الترابط بين انشاء اللجان ضمن الهيئة وحسن تأدية المهام المرتبطة بها، بحيث يكون اقتراح الغاء اي واحدة منها، كما ورد في ملاحظات الوزارة، بمثابة الغاء لفاعلية تأدية الهيئة للمهام المحددة لها قانونا.
5 – في سابقة تشريعية اخرى مماثلة من حيث الطبيعة القانونية، أناط “قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وانشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” رقم 175/2020، تاريخ 08/05/2020 “الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد” التي أنشأها هي أيضا بالشخصية المعنوية وبالإستقلال الإداري والمالي، وقد اولاها مهام وصلاحيات واسعة جدا، شبيهة بتلك التي أولاها الى الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، ولم يثر احد مسألة الإزدواجية والتضارب في الصلاحيات بينها وبين سلطات ومؤسسات اخرى. أما هذه الصلاحيات والمهام الشبيهة لهيئة حقوق الإنسان فهي الآتية:
1 – تلقي الشكاوى التي تردها والمتعلقة بالفساد، استقصاء جرائم الفساد، ودرسها واحالتها عند الاقتضاء الى سائر الهيئات الرقابية والتأديبية والقضائية المختصة (هذه الصلاحيات مفصلة في المواد 4، 19، 20 و 21 من قانون مكافحة الفساد).
2 – رصد وضع الفساد وكلفته واسبابه وجهود مكافحته والوقاية منه في ضوء القوانين النافذة والسياسات المعتمدة والاتفاقيات الثنائية (هذه الصلاحيات مفصّلة في المادة 23 من قانون مكافحة الفساد).
3 – ابداء الرأي عفوًا او بناءً لطلب المراجع المختصة، في التشريعات والمراسيم والقرارات ومشاريعها والسياسات والاستراتيجيات المتعلقة بمكافحة الفساد والوقاية منه (هذه الصلاحيات مفصّلة في المواد 18 و25 من قانون مكافحة الفساد).
ثانيا: بالنسبة للصلاحيات الخاصة التي اولاها القانون للهيئة والتي تتولاها لجانها المتخصصة:
1 – صلاحيات الهيئة بالنسبة للقانون الدولي الإنساني:
اقر القانون المنشئ للهيئة بوضوح مدى الترابط بين قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فاولى الهيئة بشكل خاص (المادة 15 – فقرة ب 1) مهمة “رصد مدى تقيّد لبنان بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ووضع ونشر التقارير الخاصة بشأنها”. وبذلك لا مجال للتعديل في هذه الأحكام التشريعية الصريحة المحددة في قانون، بحجة وجود ازدواجوية مع لجنة قائمة بمرسوم ضمن منظومة الإدارة العامة.
بالخلاصة بالنسبة لهذا الموضوع، نؤكد بأنه لا ضرر او خلل اصلا في ان تتولى جهتان منفصلتان ومستقلتان صلاحيات متشابهة في موضوع واحد؛ اما اذا اعتبرت الإدارة انه يجب الغاء أي من الجهتين بالرغم من ذلك، فالإنتظام القانوني يفرض الغاء اللجنة المنشأة بمرسوم وليس مهام الهيئة المنشأة بقانون التي تختص بها لجنتها للقانون الدولي الإنساني.
2 – بالنسبة الى تظلّم الأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل ولجنتها:
اولى القانون الهيئة مهمة رئيسية خاصة (المادة 15 فقرة ب 4) هي “تلقي الشكاوى والإخبارات التي تردها المتعلقة بحقوق الإنسان، والمساهمة في معالجتها عن طريق المفاوضة و الوساطة، او عن طريق المقاضاة”. وقد فصّل القانون هذه المهام في كامل القسم الثاني من الباب الثالث، الذي حددت مواده من 17 الى 20، الأصول الواجب اتباعها في اداء هذه المهمة، وهي صيغت بالتحديد من أجل ان لا يكون هناك تضارب في الصلاحيات بين الهيئة والجهات القضائة ومساعديها، لا سيما بالنسبة الى الأعمال التي تؤديها الهيئة والقضاء والضابطة العدليه ومساعديها في تلقي الشكاوى واستقصائها. أما بالنسبة للصلاحية الممنوحة للهيئة لمعالجة المخالفات عن طريق المفاوضة والوساطة، فقد منحت لها بمعرفة المشترع الكاملة بأن مثل هذه الصلاحية يفترض ان يتولاها وسيط الجمهورية الذي لم يعين بعد منذ اقرار قانونه رقم 664 تاريخ 04/02/2005.
من مراجعة جميع هذه المهام، يبدو جليا بأن الهيئة، وبالتالي أية لجنة من لجانها، لا تتمتع بصلاحيات قضائية، أي بأن تفصل في بالخلافات او بأن تأمر الإدارة او القضاء او أية جهة امرا مباشرا وملزما؛ وهي عند الحاجة، اذا لم تتمكن من وقف الانتهاكات المشكو منها عبر المفاوضة والوساطة، يبقى لها ان تصدر التقارير العامة او الخاصة، وأن تحيل الإخبارات والشكاوى المناسبة الى الجهات الرقابية والتأديبية والقضائية المختصة وتتابعها (المادة 20 – الإجراءات بنتيجة الإستقصاء).
في الخلاصة بالنسبة لهذا الموضوع كما بالنسبة الى الموضوع السابق، نعتبر بأنه ليس هناك من تضارب او ازدواجية في مجال حماية الطفل مع أية جهة من الجهات المذكورة في ملاحظات الوزارة، لا سيما الجهات القضائية أو الأمنية المعنية بحماية الطفل والمرأة وسائر افراد الأسرة. كما نؤكد بأنه لا ضرر او خلل اصلا في ان تتولى جهتان منفصلتان ومستقلتان صلاحيات متشابهة في موضوع واحد؛ اما اذا اعتبرت الإدارة انه يجب الغاء أي من الجهتين بالرغم من ذلك، فالإنتظام القانوني يفرض الغاء اللجان المنشأة بمرسوم وليس مهام الهيئة المنشأة بقانون التي تختص بها لجنتها لتظلم الأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل.
3 – بالنسبة الى تظلم الأشخاص ضحايا انتهاكات الإتجار بالبشر ولجنتها:
ينطبق على ملاحظات الوزارة في هذا الموضوع الإعتبارات ذاتها المحددة اعلاه بالنسبة للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الطفل، وعمليا، بالنسبة لجميع حقوق الإنسان التي اولى القانون للهيئة صلاحية السهر على حسن حمايتها وتعزيزها.
ثانيا – في صلاحية الهيئة بتلقي الشكاوى:
اعتبرت ملاحظات الوزارة بأنه “ يقتضي استثناء الشكاوى المقدمة او التي سترفع أمام القضاء من نطاق صلاحيات الهيئة كما والدعاوى التي سبق ان عرضت على القضاء والشكاوى التي تم البت بها وذلك في المادة 25 من مشروع النظام الداخلي”.
نصت المادة 25 من نظام الهيئة المعدل المعروض على رأي وزارة العدل على ما يلي:
” المادّة 25 – صلاحيّة النظر في الشكاوى:
لا تنظر الهيئة في الشكاوى التي تقع خارج نطاق صلاحيّاتها مثل:
أ- إن كان مرّ أكثر من سنة على ارتكاب الانتهاك وعلم الشاكي به إلّا في الأحوال الاستثنائية وفي حالات الانتهاكات الجسيمة والمستمرّة.
ب – إن كان موضوع الشكوى عُرض في السابق على الهيئة وأبدت رأيها فيه إلّا في حال ظهور معطيات جديدة.”
بناء عليه، نبدي الملاحظات التالية:
1 – لم توضح ملاحظات الوزارة الاسباب التي توجوب اتخاذ مثل الإجراء الذي تقترحه، فيكون مفتقد الى المرتكز قانوني أو التحليلي الصريح الذي يسمح بالتقييم الصريح.
2 – استطرادا، واذا ما افترضنا جدلا بأن ما تقترحه ملاحظات الوزارة في هذا الشأن هو اضافة عبارة الى المادة 25 تفيد امتناع الهيئة من النظر في شكاوى والدعاوى المقدمة الى القضاء، بناء على فرضية مضمرة قائمة على “الإزدواجية أو التضارب” في المهام التي سبق أن ابدتها ملاحظات الوزارة آنفا بالنسبة للجان الثلاثة، فلا يسعنا في هذا المجال سوى تكرار ما اوضحناه أعلاه بالنسبة الى قانون الهيئة ونية المشرع بشأنه.
وفي الخلاصة بالنسبة الى هذا الموضوع، يكون اي تقليص من صلاحية الهيئة في تلقي الشكاوى وفق ما تقترحه ملاحظات الوزارة، مساو لتعديل للقانون في نصه وفي نية مشرعه وواقع في غير محله القانوني، لأن القانون أولى الى الهيئة صلاحية رئيسية خاصة (المادة 15 فقرة ب 4) “تلقي الشكاوى والإخبارات التي تردها المتعلقة بحقوق الإنسان، والمساهمة في معالجتها عن طريق المفاوضة و الوساطة، او عن طريق المقاضاة”. وقد فصّل القانون هذه المهام في كامل القسم الثاني من الباب الثالث، الذي حددت مواده، من 17 الى 20، الأصول الواجب اتباعها في اداء هذه الوظيفة، وهي صيغت بالتحديد من أجل ان لا يكون هناك تضارب في الصلاحيات بين الهيئة وبين الجهات القضائة ومساعديها، بمعزل عما اذا كانت الشكاوى قد وضع القضاء او الضابطة العدلية ومساعديها يدهم عليها أو اذا كانوا بتوا فيها ام لا. مع الإشارة والتذكير، بأن أعمال القضاء بالذات، وأعمال الضابطة العدلية ومساعديهم يمكن ان تكون بذاتها موضوع انتهاك لمعايير حقوق الإنسان، ويمكن بالتالي ان تكون بذاتها موضوع شكوى مقدمة الى الهيئة.
ثالثا – في حقوق وحماية المشتكي
والمخبر:
اعتبرت ملاحظات الوزارة بأن:
“المادة 26 من مشروع النظام نصت على حقوق المشتكي والمخبر وحظرت طرده اًو التمييز ضده أو معاقبته أو اتخاذ اًي اجراء تأديبي بحقه في محل عمله.
فضلا عن أن النظام الداخلي للهيئة بطبيعته هو مجموعة القواعد التي تكمل أحكامها القانونية التنظيمية. وبالتالي إن ايراد مادة في النظام الداخلي من شأنها أن نلقي موجبات على اشخاص ثالثين (وهنا ارباب العمل) هو في غير محله القانوني. إذ أن قانون العمل هو الذي يحدد الإطار القانوني للعلاقة بين رب العمل والعمال والموجبات الملقاة على فرقاء عقد العمل كافة والحقوق العائدة لهم.”
بناء عليه، نتفق مع ملاحظات الوزارة واقتراحها ونتبناهما بالكامل.
رابعا – في صلاحية مفوضية الدراسات والرصد وما تضمنته المادة 31 من النظام الداخلي من مهام المراقبة:
خلصت ملاحظات الوزارة الى اقتراح الغاء المادة 31 من مشروع النظام الداخلي على لأسباب خلاصتها التالية:
من نحو اول، “… ان اسناد الهيئة لنفسها صلاحية مراقبة الأعمال التشريعية والإدارية مخالف للدستور ويشكل تعد على صلاحيات المؤسسات الدستورية”.
ومن نحو ثان، لمخالفة القانون الذي “… لم يعط الهيئة هذه الصلاحية”.
ومن نحو ثالت، لم تبادر الهيئة الى تنفيذ ما صرحت به بقبول التعديل المطلوب لجهة الغاء كلمة “الرقابة” اينما وردت في هذه المادة وابدالها بكلمة اطلاع او دراسة، انفاذا لما كان مجلس شورى الدولة قد طلبه بموجب الرأي رقم 93/2020-2021.
نصت المادة 31 من نظام الهيئة الداخلي، ضمن الفصل الثالث منه الذي ينشئ وينظم “مفوضية الدراسات والرصد” على ما يلي:
تتولّى هذه المفوّضيّة إعداد الدراسات القانونيّة ومراقبة التشريعات ومشاريع القوانين والمراسيم ومشاريع الموازنات الحكومية والخطط والقرارات الحكوميّة والإداريّة لجهة احترامها مبادئ حقوق الإنسان، ورصد كلّ الانتهاكات و/أو التجاوزات الحاصلة أو المشتبه حصولها لهذه الحقوق.
نصت المادة 15 من قانون الهيئة في الفقرة (أ) على مهام الهيئة واللجنة بشكل عام، ونصت في الفقرة (ب) ان تتولى الهيئة المهام الخاصة المترابطة التالية المتعلقة بالرصد والتقييم وصياغة التقرير:
1 – رصد مدى تقيد لبنان بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ووضع ونشر التقارير الخاصة أو الدورية بشأنها.
2 – المساهمة المستقلة في التقارير المتوجبة على الدولة اللبنانية.
3 – ابداء الرأي في كل ما تستشار به الهيئة من المراجع المختصة، أو ما تبادر اليه لناحية احترام معايير حقوق الإنسان.
ولها من تلقاء نفسها ابداء الرأي في جميع التشريعات والمراسيم والقرارات ومشاريعها والسياسات المتبعة بهذا الخصوص.”
وقد فصّلت المادة 16 من قانون الهيئة بعضا مما يفترض ان تقوم به الهيئة من أعمال ونشاطات “الرصد والتقييم وصياغة التقارير” الواردة بصراحة الفقرة (أ) منها “على سبيل المثال وليس الحصر”، النشاطات الآتية:
“1 – متابعة وتقييم القوانين وكافة المراسيم والقرارلات الإدارية، وأعمال والإمتناع عن اعمال سائر السلطات العامة، المركزية واللامركزية، والهيئات التي تؤدي خدمة عامة او ذات منفعة عامة، وقياسها وفق معايير حقوق الإنسان.”
بناء عليه، نبدي الملاحظات التالية:
1 – من نحو أول، لقد أناط قانون الهيئة صراحة بها مهام واسعة جدا اوجب عليها تنفيذها، وقد عكستها المادة 31 من نظام الهيئة الداخلي، وهي كلها مترابطة وتكاملة في الأوجه الثلاثة الآتية:
- فلجهة الأعمال والنشاطات التي يمكن ان تنفذها الهيئة: فلقد حددها قانون الهيئة بالعبارات التالية: “الرصد والمتابعة والتقييم واجراء القياس وفق معايير حقوق الإنسان، وابداء الرأي ونشر التقارير الخاصة والعامة”.
- ولجهة الأشخاص موضوع هذه الأعمال والنشاطات، فهم وفق ما نص عليه القانون صراحة:
- “السلطات العامة”، وهي بحسب الدستور السلطات الثلاثة: التشريعية والتنفيذية والقضائية.
- “المركزية واللامركزية”، وهي تتضمن، فضلا عن السلطات والإدارات العامة المركزية، البلديات واتحاداتها.
- “الهيئات التي تؤدي خدمة عامة او ذات منفعة عامة، وهي تتضمن مؤسسات القانون العام والخاص مثل المؤسسات العامة والشركات المكلفة بادارة مرفق عام.
- وغيرها من الهيئات والجهات، لأن القانون اكتفى بالإشارة الى السلطات والهيئات والجهات الى نص عليها على سبيل المثال وليس الحصر؛ ويمكن ان تتولى بالتالي الهيئة رصد وتقييم جهات مختلفة اخرى، عامة أوخاصة، مثل الجمعيات أو الشركات المختلطة أو المجتمع ككل في معرض رصد الواقع الثقافي المتعلق بحقوق الإنسان.
- أما لجهة الأعمال الصادرة عن الجهات الخاضعة لرقابة الهيئة: فهي التالية كما نص عليها القانون على سبيل المثال: “القوانين وكافة المراسيم والقرارلات الإدارية، وأعمال والإمتناع عن اعمال”.
بناء عليه وخلافا لما ذهبت اليه ملاحظات وزارة العدل، يكون قانون الهيئة قد نص صراحة على جميع المهام التي نص عليها النظام الداخلي، لا سيما المادة 31 منه.
2 – من نحو ثان، ليس في المادة 31 من نظام الهيئة الداخلي ما يخالف الدستور، انما انعكاس لما اوجب القانون على الهيئة من مهام وفق ما بيناه اعلاه.
3 – من نحو ثالث، في مسألة استعمال المادة 31 من نظام الهيئة الداخلي لعبارة الرقابة:
يبدو جليا بأن ملاحظات الوزارة ورأي مجلس شورى الدولة رقم 93/2020/2021 قائمة كلها على اعتراضها على استعمال مشروع النظام الداخلي للهيئة كلمة “الرقابة”؛ وقد خلصت ملاحظات الوزارة الى اقتراح الغاء كامل المادة 31 بنتيجتها في حين إكتفى مجلس شورى الدولة باقتراح استبدالها بعبارة “اطلاع او دراسة”. وكلا الموقفين يستوجبا الملاحظات التالية:
- لم يذهب مجلس شورى الدولة الى ما ذهبت اليه ملاحظات الوزارة، ولم يثر أي من المخالفات الدستورية والقانونية مثلها، انما اكتفى باقتراح التصويب اللغوي.
- صحيح ان عبارة الرقابة لم ترد صراحة في قانون الهيئة، لكنه صحيح ايضا أن النشاطات التي عددها القانون والتي اجاز للهيئة القيام بها وردت على سبيل المثال وليس الحصر، وصحيح أيضا أن المعنى من مجمل العبارات التي تعبر عن المهام التي اولاها اياها القانون الى الهيئة والتي يمكن إختصارها بعبارة “الرقابة”، وهذه العبارات العديدة هي: “الرصد والمتابعة والتقييم واجراء القياس وفق معايير حقوق الإنسان، وابداء الرأي ونشر التقارير الخاصة والعامة”، مضافا اليها مهمة “السعي الى تنظيم حوارات بشأن التقارير مع السلطات المعنية ومع الهيئات والمواطنين والإعلام” (المادة 16 فقرة أ – 3).
- لم توضح ملاحظات الوزارة كيف وبأية صيغة صرَحت الهيئة بقبول التعديل المطلوب من مجلس شورى الدولة، وكيف يمكن لهذا الإخلال ان يودي الى اعتباره سببا موجبا لإلغاء كامل المادة 31 من النظام الداخلي.
بناء عليه، وخلافا لما ذهبت اليه ملاحظات وزارة العدل، لا يفيد البناء على استعمال عبارة “الرقابة” لإلغاء المادة 31 من النظام الداخلي أو حتى لتوجّب تعديله الى أي من العبارتين “الإطلاع أو الدراسة” غير المنصوص عليهما أصلا في قانون الهيئة. جل ما يمكن ان نقترحه استطرادا في هذا المجال، فهو استبدال عبارة “الرقابة” بجميع العبارات التي نص عليها القانون صراحة والتي تعبر عن المهام المتوجبة، وهي: “الرصد والمتابعة والتقييم واجراء القياس وفق معايير حقوق الإنسان، وابداء الرأي ونشر التقارير الخاصة والعامة – ويمكن أن يشار اليها مجتمعة بعبارة “الرقابة”.
خامسا – في صلاحيات لجنة الوقاية من التعذيب ورئيسها للتعامل والتواصل المباشر مع اشخاص ثالثين:
اعتبرت ملاحظات الوزارة ما خلاصته، ان اللجنة الدائمة للوقاية من التعذيب ورئيسها لا يسعهما مخاطبة اشخاص ثالثين، لا سيما الإتصال بالسلطات الدستورية اللبنانية والسلطات الأجنبية والأجهزة اللبنانية والأجنبية التي يجب ان يتم عبر سلوك التسلسل الهرمي والإداري والدبلوماسي وفق القوانين اللبنانية والمعاهدات والإتفاقات الدولية، لأن قانون الهيئة أعطى الهيئة دون اللجنة شخصية معنوية واستقلالا ماديا واداريا. واقترحت بالتالي تعديل المادة 47 من مشروع النظام لهذه الجهة، لا سيما الفقرات “ط” و”ل” و”ن” منها.
بناء عليه، نبدي الملاحظات التالية:
خلافا لملاحظات الوزارة، تتمتع لجنة الوقاية من التعذيب “بالشخصية القانونية المستقلة” وذلك بصريح عبارة الفقرة (ج) من المادة 15 من قانون الهيئة التي نصت على ما يلي: “تتولى اللجنة بمفهوم البروتوكول الإختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب مهام الآلية الوطنية، وذلك لحماية حقوق الأشخاص المحتجزين والمحرومين من حريتهم، وتتمتع بالشخصية القانونية المستقلة في كل ما يتعلق بالتعذيب والوقاية منه“.
كما نصت المادة 14 صراحة في موضوع الحق في طلب المعلومات على ما يلي: “للهيئة واللجنة أن تتصل بالسلطات والأجهزة اللبنانية أو الأجنبية وتطلب منها تزويدها بالمستندات أو المعلومات التي تراها مفيدة لحسن ممارسة مهامها. وعلى السلطات والأجهزة اللبنانية المعنية الإستجابة للطلب دون ابطاء.
وقد تضمن قانون الهيئة واسبابه الموجبة احكاما عديدة، تخص هذه اللجنة الدائمة بطبيعة قانونية خاصة وبصلاحيات استثنائية، خارجة عن المألوف في الإنتظام القانوني العادي:
- نصت الأسباب الموجبة صراحة على وصف لجنة الوقاية من التعذيب التي تضمنتها الهيئة على انها “… آلية وطنية مستقلة للوقاية من التعذيب”.
- نصت الفقرة ج من المادة الأولى، بعد ان اعلنت الفقرة (ب) انشاء اللجنة الدائمة التي تدعى “لجنة الوقاية من التعذيب”، انه “يؤدي اعضاء كل من الهيئة ولجنة الوقاية من التعذيب والموظفون التابعون لهما مهامهم باستقلال كامل عن اية سلطة اخرى في اطار احكام هذا القانون. كما تؤدي اللجنة مهامها وتضع تقاريها دون تدخل من الهيئة.
- نصت المادة 2 فقرة (أ) على تعيين اعضاء اللجنة مباشرة من مجلس الوزراء بصفتهم هذه: “تشكل الهيئة من عشرة اعضاء، يكون خمسة منهم أعضاء في اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب، يعينون جميعهم بمرسوم …”.
- نصت المادة 6 على خصوصية اللجنة في انتخاب رئيسها: “يجتمع اعضاء اللجنة وينتخبون من بينهم رئيسا لها يكون حكما نائبا لرئيس الهيئة”.
- نصت المادة 11 على وجوب انعقاد الهيئة واللجنة في اجتماعات منفصلة، وفي هذه المادة ما يوازي في القيمة والأهمية بين الهيئة واللجنة: “تجتمع الهيئة واللجنة مرة كل شهر على الأقل، أو كلما تدعو الحاجة، بناء على دعوة من رئيس كل منهما ويكون اجتماع أي منهما قانونيا بحضور الأكثرية المطلقة من أعضاء اي منهما على الأقل. وتتخذ كل منها قراراتها بالأكثرية النسبية …”.
- نصت المادة 13 فقرة (أ) على خصوصية للجنة في الإستخدام والتعاقد لجهاز اداري خاص بها: “يعاون الهيئة جهاز اداري على رأسه مدير تنفيذي متفرغ. كما يعاون اللجنة جهاز اذاري خاص بها وعلى رأسه مدير تنفيذي“.
- نصت المادة 15 فقرة (د) على آلية خاصة لوضع التقارير السنوية بحيث تكون اللجنة مستقلة في صياغة تقريرها الخاص، الذي يدمج في تقرير موحد ترفعه الهيئة الى الجهات التي حددها القانون: “تضع كل من الهيئة واللجنة، كل في اختصاصها، تقريرا موحدا يتضمن برنامجها السنوي وانجازاتها والصعوبات التي واجهتها، وترفع الهيئة تقريرا موحدا الى …”. وأما هذه الآلية، فهي الإستثناء على القاعدة التي كرسها القانون بأن تخاطب اللجنة مباشرة الأشخاص الثالثين.
- نص القسم الرابع من قانون الهيئة (المواد 22 الى 27) على احكام وصلاحيات تختص فيها اللجنة في معرض تأديتها لمهامها المتعلقة بالوقاية من التعذيب، وهي تتضمن بشكل خاص:
- زيارة اماكن الحرمان من الحرية (المادة 23 فقرة -أ-) التي نصت صراحة على انها تتعاقد مباشرة مع موظفين لمعاونتها، بحيث نصت على ما يلي: “للجنة او لمن تنتدبه من اعضائها ومن يصطحبونهم من موظفيها أو المتعاقدين لديها …”.
- التعاون مع الهيئات والخبراء (المادة 14) التي نصت صراحة على ان اللجنة تتمتع بصلاحية التعاقد مع الخبراء من غير الموظفين، اذ نصت على ما يلي في الفقرة (ب): كما لها [أي اللجنة] الإستعانة بخبراء من غير موظفيها، ويمكن لهؤلاء، عند الضرورة، مرافقة اللجنة …”.
- احكام تفصيلية لطلب المعلومات مباشرة من اللجنة الى اشخاص ثالثين (المادة 25).
- احكام تفصيلية بالنسبة الى وضع التقارير الخاصة بها التي ترفعها مباشرة الى الأشخاص الثالثين (المادة 26 فقرة – أ-) التي نصت على ما يلي: تضع اللجنة ملاحظاتها وتوصياتها ومقترحاتها بشأن أماكن الحرمان من الحرية وأوضاع الأشخاص المحرومين من الحرية، وترفعها الى الهيئة والى المراجع المختصة، بهدف …”.
- واجب تعاون السلطات مباشرة مع الهيئة (المادة 27 فقرة أ) التي نصت على ما يلي: “على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإدارية المختصة والجهات كافة أن تتعاون مع اللجنة وتسهل عملها وذلك بهدف مساعدتها في اتمام مهمتها.”
- اعلان حق اللجنة بالتواصل مباشرة مع اللجنة الفرعية للأمم المتحدة لمنع التعذيب (المادة 27 فقرة ب) التي نصت على ما يلي: “للجنة حق التواصل مباشرة مع اللجنة الفرعية لمنع التعذيب التابعة للأمم المتحدة وموافاتها بالمعلومات عند الإقتضاء، كما لها ان تجتمع بها دوريا او كلما دعت الحاجة“.
- نص الباب الرابع على الأحكام الخاصة بمالية الهيئة وموازنتها (المعدل بالقانون رقم 273 تاريخ 10/3/2022)، وفي هذا المجال، واستثناءا على تمتع اللجنة بالشخصية المعنوية المستقلة لأداء وظائفها الخاصة بالوقاية من التعذيب، تعود المواد 28 وما يليها من القانون الى تحديد آلية وضع موازنة الهيئة عبر اجهزتها التقريرية، أي هيئتها الإدارية التي تتضمن لجنة الوقاية من التعزيب، في كل ما يتعلق بمخاطبة السلطات من اجل وضع واقرار موازنة الهيئة.
يفيد التوضيح أن جميع هذه الأحكام القانونية المذكورة آنفا، سببها الخيار التشريعي الذي اتخذه مجلس النواب في المزاوجة بين ارادته بعدم انشاء هيئات مستقلة عديدة، وبين الموجب القانوني الذي يلقيه على لبنان “البروتوكول الإختياري لإتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللائنسانية او المهينة”، الذي ابرمه لبنان في العام 2008، والذي يوجب عليه انشاء آلية وطنية مستقلة خاصة تعني بانفاذ احكامه المتعلقة بالوقاية من التعذيب. وقد عبَر الموقع ادناه في اكثر من مناسبة عن خصوصية هذا الخيار التشريعي المتعلق باستقلالية اللجنة ضمن الهيئة وتمتعها بالشخصية المعنوية في مجال عملها، عبر وصفه الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة دائمة للوقاية من التعذيب على انها مثل “البيضة بصفارين”.
بناء عليه وخلافا لملاحظات الوزارة، تتمتع لجنة الوقاية من التعذيب بالشخصية المعنوية المستقلة عن الهيئة في مجال الإختصاص الموكل اليها، التي تتيح لها ولرئيسها بمخاطبة والإتصال بكافة السلطات والإدارات اللبنانية والدولية دون الحاجة لسلوك التسلسل الهرمي والإداري والدبلوماسي داخل الهيئة او خارجها، وكذلك التعاقد مع الخبراء والموظفين المعاونين للجنة في تنفيذ نشاطاتها مباشرة، وبالتالي تكون صياغة المادة 47 من النظام الداخلي في موقعها القانوني الصحيح.
سادسا – في مسألة الإستقالة الحكمية:
اعتبرت ملاحظات الوزارة أن المادة 60 من مشروع النظام الداخلي نصت على الاستقالة الحكمية إلا أنه يتبين من مضمون المادة المنكورة أن العنوان لا يطابق المضمون إذ اًنها تتناول الحالات التي تقوم الهيئة فيها بإقالة اًحد أعضائها استنادا الى خطا ارتكبه وبعد اتباع أصول معينة يتخذ من بعده القرار المذكور.
بمراجعة مشروع النظام الداخلي، يتبين بأن المادة 60 المذكورة نصت على ثلاثة حالات يعتبر فيها العضو مستقيلا حكما وهي:
- العضو الذي يتغيّب عن حضور ثلاث جلسات متتالية بدون عذر مشروع بحسب ما تنصّ المادّة العاشرة من هذا النظام.
- العضو الذي يخالف أحكام المادّة الرابعة من القانون 62/ 2016.
- العضو الذي يرتكب مخالفة جسيمة لمدوَّنة الأخلاقيات وقواعد السلوك المهني.
بناء عليه، نبدي الملاحظات التالية:
لقد حرص قانون الهيئة حرصا شديدا على تحصين الهيئة واعضائها بحصانات وضمانات كبيرة جدا وفعّالة، من اجل ضمان استقلاليتهم وعدم تعرضهم كهيئة وكأفراد لأية ضغوطات أو تأثيرات، إن خارجية من قبل سلطات الدولة واشخاصها، أو من الهيئة بالذات واعضائها؛ الى حد ان المادة 9 نصت انه “لا يمكن للسلطة التنفيذية اتخاذ القرار بتعليق او وقف عمل الهيئة في أي ظرف من الظروف، بما في ذلك حالات الطوارئ والحروب.
أما الحالات التي تخرج عن هذا السياق، فلا يمكن التوسع فيها أو انشاء حالات جديدة بشأنها غير تلك التي نص عليها قانون الهيئة صراحة وحصرا وهي التالية:
- الحالة الأولى: إقالة الأعضاء التي لا يمكن ان تحصل الا في حالتين حصرهما القانون في المادة 10، استثناء على مبدأ عدم جواز اقالة الأعضاء، بما يلي:
- اذا حال وضع [العضو] الصحي أو العقلي دون قيامه بمهامه.
- اذا حكم [على العضو] بحكم مبرم بجناية أو بجنحة شائنة، على ان تعلق عضويته حكما فور صدور قرار ظني أو أي حكم بحقه بالجرائم المذكورة.
- الحالة الثانية: اعتبار العضو مستقيلا حكما في حالة وحيدة، نصت عليها المادة 11 من قانون الهيئة وهي تغيب العضو ثلاث جلسات متتالية.
بناء عليه، نتفق جزئيا مع ملاحظات الوزارة، بحيث لا يسع للنظام الداخلي اضافة أية حالة من حالات اعتبار العضو مستقيلا الا تلك الوحيدة المحددة حصرا في نص المادة 11 من قانون الهيئة دون سواها؛ كما انه لا يسع للنظام الداخلي اضافة أية حالة من حالات اقالة الأعضاء إلا تلك المحددة حصرا في المادة 10 من قانون الهيئة.
في الخلاصات والإستنتاجات النهائية والختامية:
أولا – خلافا لما ذهبت اليه ملاحظات وزارة العدل:
1 – بالنسبة الى اللجان الدائمة الثلاثة: لا تضارب او تعارض بين مهام اللجان الثلاثة موضوع ملاحظات الوزارة (أي لجان القانون الدولي الإنساني – حقوق الطفل – الإتجار بالأشخاص) واية سلطة او لجنة او هيئة ادارية او امنية قائمة، وهي جميعها تقع بشكل صحيح ضمن اطار المهام التي حددها قانون الهيئة والتي عليها موجب حسن تنفيذها، بمعاونة لجان متخصصة دائمة نصت عليها المادة 12 من قانون الهيئة.
2 – بالنسبة الى صلاحية الهيئة بتلقي الشكاوى: ان اقتراح اضافة فقرة الى المادة 25 من نظام الهيئة لتقليص صلاحيتها في تلقي الشكاوى وفق ما تقترحه ملاحظات الوزارة، مساو لتعديل قانون الهيئة في نصه وفي نية مشرعه فيكون واقعا في غير محله القانوني، لأن القانون أولى الى الهيئة صلاحية رئيسية خاصة (المادة 15 فقرة ب 4) بـ”تلقي الشكاوى والإخبارات التي تردها المتعلقة بحقوق الإنسان، والمساهمة في معالجتها عن طريق المفاوضة و الوساطة، او عن طريق المقاضاة”. وقد فصّل القانون هذه المهام في كامل القسم الثاني من الباب الثالث، الذي حددت مواده، من 17 الى 20، الأصول الواجب اتباعها في اداء هذه الوظيفة، وهي صيغت بالتحديد من أجل ان لا يكون هناك تضارب في الصلاحيات بين الهيئة وبين الجهات القضائة والضابطة العدلية ومساعديها.
3 – بالنسبة الى صلاحية مفوضية الرقابة والرصد: لا يفيد البناء على استعمال مشروع النظام الداخلي لعبارة “الرقابة” لإلغاء المادة 31 من النظام الداخلي أو حتى لتوجب تعديله الى أي من العبارتين “الإطلاع أو الدراسة” غير المنصوص عليهما أصلا في قانون الهيئة. جل ما يمكن اقتراحه، استطرادا، هو استبدال عبارة “الرقابة” بجميع العبارات التي نص عليها القانون صراحة والتي تعبر عن المهام المتوجبة، وهي: “الرصد والمتابعة والتقييم واجراء القياس وفق معايير حقوق الإنسان، وابداء الرأي ونشر التقارير الخاصة والعامة – ويمكن أن يشار اليها مجتمعة بعبارة “الرقابة”.
4 – بالنسبة الى صلاحية لجنة الوقاية من التعذيب ورئيسها للتعامل والتواصل المباشر مع اشخاص ثالثين: تتمتع لجنة الوقاية من التعذيب بالشخصية المعنوية المستقلة عن الهيئة في مجال الإختصاص الموكل اليها، التي تتيح لها ولرئيسها بمخاطبة والإتصال بكافة السلطات والإدارات اللبنانية والدولية دون الحاجة لسلوك التسلسل الهرمي والإداري والدبلوماسي داخل الهيئة او خارجها، وكذلك التعاقد مع الخبراء والموظفين المعاونين للجنة في تنفيذ نشاطاتها مباشرة، وبالتالي تكون صياغة المادة 47 من النظام الداخلي في موقعها القانوني الصحيح.
ثانيا – وفقا لما ذهبت اليه ملاحظات وزارة العدل، كليا او جزئيا:
1 – لا يسع النظام الداخلي في المادة 26 بالنسبة الى المشتكي والمخبر، أن يحظّر طرده اًو التمييز ضده أو معاقبته أو اتخاذ اًي اجراء تأديبي بحقه في محل عمله، لأن قانون الهيئة لم ينص على مثل هذه الحمايات ولأن النظام الداخلي لا يلزم سوى الهيئة بالذات وفق احكام القانون.
2 – لا يسع النظام الداخلي في المادة 30 اضافة أية حالة من حالات اعتبار العضو مستقيلا الا تلك الوحيدة المحددة حصرا في نص المادة 11 من قانون الهيئة دون سواها؛ كما انه لا يسع النظام الداخلي اضافة أية حالة من حالات اقالة الأعضاء الا تلك المحددة حصرا في المادة 10 من قانون الهيئة.
غسان مخيبر