أثار تقرير نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية في 19 تشرين الثاني 2025 مخاوف جدية بعدما كشف عن صور لذخائر مُحظّرة دولياً يُرجّح أن القوات الإسرائيلية استخدمتها خلال الحرب الممتدة منذ 13 شهراً في لبنان. وتعتبر هذه المعطيات أول دليل منذ ما يقارب العقدين على لجوء إسرائيل مجدداً إلى القنابل العنقودية، وهو تطور خطير يهدد المدنيين اللبنانيين لعقود مقبلة.
صور تم التحقق منها من قبل خبراء دوليين
وفق التحقيق، فقد فحص ستة خبراء مستقلين في الذخائر صوراً لبقايا قنابل عُثر عليها جنوب نهر الليطاني، في وديان زبقين وبرغوز ودير سريان. وأكّد الخبراء أن البقايا تعود لنوعين من الذخائر العنقودية الإسرائيلية المتطورة:
قذائف 155 ملم من طراز M999 Barak Eitan المصنعة عام 2019

صواريخ موجّهة من طراز 227 ملم Ra’am Eitan المطوّرة عام 2017

وتعمل هذه الأسلحة على نثر عشرات القنيبلات فوق مساحة واسعة قد تعادل عدة ملاعب كرة قدم، ما يجعلها بطبيعتها أسلحة عشوائية لا يمكن التحكم بآثارها.
قنابل تواصل القتل بعد توقف القتال
يُذكر أن القنيبلات الصغيرة التي تطلقها القنابل العنقودية كثيراً ما تفشل في الانفجار عند الارتطام، حيث تصل نسبة القنابل غير المنفجرة إلى 40 بالمئة، وتبقى كامنة في الأرض لتنفجر عند لمسها بعد سنوات أو حتى عقود من انتهاء العمليات العسكرية.
ولبنان تحديداً له سجل دامٍ مع هذا النوع من الأسلحة. ففي حرب 2006، أسقطت إسرائيل على جنوب البلاد ما يقارب أربعة ملايين قنيبلة، وقد خلّف نحو مليون منها دون انفجار. ومنذ ذلك الحين، قُتل أكثر من 400 مدني نتيجة انفجار هذه القنيبلات خلال الزراعة أو الرعي أو اللعب في الحقول.
هذا الواقع كان سبباً رئيسياً لاعتماد اتفاقية حظر الذخائر العنقودية عام 2008، والموقّعة حالياً من 124 دولة، علماً أنّ إسرائيل ليست طرفاً فيها.
أسلحة عشوائية بطبيعتها، ومحظورة بموجب القانون الإنساني
شدّدت تمار غابلنيك، مديرة “التحالف ضد القنابل العنقودية”، على أن هذه الذخائر تتنافى حكماً مع مبادئ القانون الدولي الإنساني بسبب عدم قدرتها على التمييز بين المدنيين والعسكريين، مؤكدةً أن بقاياها “تقتل وتشوّه المدنيين لعقود بعد استخدامها”.
بدوره، حذّر براين كاستنر، رئيس أبحاث الأزمات في منظمة العفو الدولية، من أن القنابل العنقودية “محظورة دولياً لسبب واضح”، مؤكداً أنه لا يمكن استخدامها بأي طريقة تقلل الضرر عن المدنيين.
مع أن الشركات المصنّعة تدّعي أن النماذج الأحدث تحتوي على معدلات إخفاق منخفضة جداً، إلا أن التجارب الميدانية خلال حرب 2006 أثبتت أن معدلات الإخفاق على أرض الواقع أعلى بعشرات المرات من النسب المُعلنة.
خطر متجدد يهدد المجتمعات الجنوبية
عُثر على البقايا الجديدة في وديان حرجية يتجاور فيها المدنيون مع المناطق التي تتهم إسرائيل حزب الله باستخدامها للاحتماء من القصف والمراقبة الجوية. إلا أن الطبيعة الواسعة الانتشار للقنابل العنقودية تجعل استخدامها في بيئات كهذه تهديداً مباشراً للمزارعين والرعاة والأطفال وكل من يعيش قرب تلك المناطق.
دعوة عاجلة من الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان
في ضوء هذه الدلائل المنشورة في ذا غارديان، تؤكد الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب، ضرورة:
-
إجراء تحقيقات مستقلة وفورية في جميع مواقع العثور على الذخائر
-
التدخل العاجل لإزالة القنابل غير المنفجرة
-
ممارسة ضغط دولي حقيقي للالتزام بالقانون الإنساني
-
الكشف الكامل عن أنواع الأسلحة المستخدمة في المناطق المدنية
يحمل جنوب لبنان جراحاً لم تلتئم بعد من حرب 2006، وظهور ذخائر جديدة يهدد بجعل أجيال جديدة تعيش تحت الخطر نفسه.
وتجدد الهيئة التزامها الكامل برصد الانتهاكات، وتوثيق استخدام الأسلحة المحظورة، وحماية المدنيين اللبنانيين من الأخطار التي تتركها الحروب بعد انتهاء القتال.
الذخائر العنقودية
تُعدّ الذخائر العنقودية من أخطر الأسلحة العشوائية على الإطلاق، فهي مُصمّمة لتفجير حاوية كبيرة في الجو، ونثر مئات القنيبلات الصغيرة فوق مساحة واسعة لا يمكن التحكم بها. هذه الطبيعة الواسعة الانتشار تجعلها غير قادرة على التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين عند استخدامها، ما يضعها في صلب الأسلحة المحظورة بموجب القانون الدولي الإنساني.
وتشير التقديرات إلى أن ما بين 5 و20 في المئة من هذه القنيبلات الصغيرة تفشل في الانفجار عند الارتطام، فتظل كامنة في الأرض لسنوات طويلة، وتتحول عملياً إلى ألغام مضادة للأفراد. هذا الخطر الدائم يجعلها سبباً رئيسياً لإصابات المدنيين بعد انتهاء النزاعات، خصوصاً المزارعين والأطفال والعاملين في الأراضي الزراعية.
لقد حظرت اتفاقية الذخائر العنقودية استخدام هذه الأسلحة وإنتاجها وتخزينها ونقلها، وانضمت إليها أكثر من 100 دولة، استناداً إلى قناعة دولية راسخة بأن هذه الذخائر تُحدث معاناة إنسانية ممتدة وتُخلّف آثاراً مدمّرة على المجتمعات لعقود.
إن استخدام الذخائر العنقودية ينتهك مبدأ حظر الهجمات العشوائية، ويُعد خرقاً لالتزامات أطراف النزاع في حماية المدنيين، لما تسببه من انتشار واسع للقنيبلات ومن بقاء غير المنفجر منها كخطر مستمر على الحياة.
هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

