(الإنجليزية) This article is also available in: English
في مكتب مؤقت يقع في الحازمية، تتحمّل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان، بما في ذلك لجنة الوقاية من التعذيب (NHRC-CPT)، عبئًا ثقيلًا. فبينما يواجه لبنان حالة من عدم الاستقرار السياسي والانهيار الاقتصادي وتضييق الفضاء المدني، تقف الهيئة كأحد آخر الخطوط المؤسسية للدفاع عن المدافعين عن حقوق الإنسان—خط يتعرّض لهجمات متزايدة.
وقد كشف التقرير الأخير الذي قدّمته مفوضية العلاقات الدولية في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان إلى التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (GANHRI) عن صورة قاتمة ولكن صادقة لمشهد حقوق الإنسان في لبنان لعام 2025. فمن الصحفيين الذين يواجهون دعاوى تشهير جنائية إلى النشطاء البيئيين الذين يتعرضون للترهيب من قبل مصالح تجارية نافذة، يسلّط التقرير الضوء على حملة لا تهدأ من التهديدات والانتقام تهدف إلى إسكات كل من يجرؤ على الكلام.
النشطاء في الخطوط الأمامية
من بين الفئات الأكثر استهدافًا النساء والمدافعون عن حقوق الإنسان. يقول تقرير مفوضية العلاقات الدولية: “إنهم يواجهون تهديدًا مزدوجًا—بسبب نشاطهم وبسبب هويتهم”. فالمضايقات عبر الإنترنت، والوصم الاجتماعي، والعنف القائم على النوع الاجتماعي متفشية. أما المدافعون عن حقوق مجتمع الميم، فيعملون في ظل غياب حماية قانونية ويواجهون مضايقات من قبل جهات حكومية وغير حكومية، نظرًا لتجريمهم بموجب قوانين “الآداب العامة” في لبنان.
تُحدد خارطة الطريق الاستراتيجية للهيئة للفترة 2025–2027 هذه الفئات كأولوية. ولكن، في ظل انعدام الحماية القانونية والمناخ المجتمعي العدائي، يظل التقدم بعيد المنال. ويضيف تقرير المفوضية: “نحن نبني بيتًا بلا أساس”، في إشارة إلى غياب إطار قانوني وطني لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
إسكات الرقيب
حتى الهيئة الوطنية نفسها ليست بمنأى عن الاستهداف. فالتخفيضات في الميزانية والعقبات البيروقراطية تهدد وجودها. الوزراء المعنيين لم يصدروا المراسيم التطبيقية للقانون رقم 62 تاريخ 27 تشرين الأول 2016، باستثناء مرسومي تشكيل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وتشكيل اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب. في المقابل، لم تصدر حتى الآن المراسيم المتعلقة بتحديد تعويضات رئيس ونائب رئيس وأعضاء الهيئة، وتخصيص مقر لها، بالإضافة إلى النظامين الداخلي والمالي، اللذين أودعتهما الهيئة الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعد شهرين من تشكيلها، وفقًا لما يقتضيه القانون.
المدافعون البيئيون تحت النار
شهد النشاط البيئي في لبنان ازدهارًا في السنوات الأخيرة—ولاسيما الحملة الناجحة لوقف مشروع سد بسري عام 2020. لكن هذا النمو في الحراك البيئي استدعى ردود فعل انتقامية. فالمدافعون عن حقوق الإنسان البيئية، خاصة النساء والنشطاء في المناطق الريفية، تعرضوا للإقصاء من عمليات صنع القرار، والتهديد من قبل مطورين مرتبطين سياسيًا، والمضايقة سواء عبر الإنترنت أو في الواقع.
يسلط تقرير مفوضية العلاقات الدولية الضوء على جهود المجموعات المحلية التي تواصل النضال من خلال حملات إعادة التشجير والدعوة إلى العدالة المناخية. ومع ذلك، تظل الحماية القانونية شبه معدومة. فقانون حماية البيئة في لبنان، الصادر عام 2002، لا يتضمن اعترافًا صريحًا بالمدافعين البيئيين، كما أن الأنظمة الأخيرة لا تقدم سوى مشاورات رمزية مع الجمهور.
هيئة في مرمى النيران
رغم التحديات، لم تتراجع الهيئة الوطنية. وتشمل استراتيجيتها تطوير أنظمة الإنذار المبكر، وإنشاء آليات للتغذية الراجعة مع المجتمع المدني، والدعوة إلى حماية المبلّغين عن الانتهاكات. كما تتعاون الهيئة مع الهيئات الدولية والامم المتحدة.
ومع ذلك، يبقى تقرير مفوضية العلاقات الدولية حذرًا. “نحن بحاجة إلى أكثر من دعم رمزي. نحتاج إلى إصلاحات قانونية حقيقية، ودعم مالي، وحماية لأولئك الذين يضحون بكل شيء من أجل العدالة”.
الطريق إلى الأمام
لم تنجح الهيئة الوطنية بعد في مواءمة عملها بالكامل مع الأطر العالمية مثل إعلان مراكش. لا تزال قيود الموارد، وتأخر التشغيل، والمقاومة السياسية تشكل عقبات كبيرة. ولكن، تبقى المهمة واضحة: “يجب أن نحافظ على الفضاء المدني، وعلى حرية التعبير، وعلى كرامة المدافعين عن الحقوق”.
في منطقة كثيرًا ما تُسحق فيها الحقوق، تحاول الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان أن تقف شامخة—رغم كل الصعاب. ورغم أن الطريق أمامها محفوف بالمخاطر، فإن صوتها هو من الأصوات التي لا يستطيع لبنان، ولا العالم، أن يتحمّل خسارتها.