استضافت وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية في لبنان الاجتماع الافتتاحي لـ “فريق العمل لتكامل جهود مكافحة الفساد وتعزيز المساواة” في 9 أيلول 2025. وقد عُقد الاجتماع في مقر الوزارة، وجمع فريقًا متنوعًا من المسؤولين الحكوميين والخبراء القانونيين وممثلي المجتمع المدني، ما شكّل انطلاقة لمبادرة تعاونية تهدف إلى اجتثاث الفساد مع ضمان عدم تهميش أي فئة.
رؤية إصلاحية في أوقات مضطربة
افتتح الدكتور فادي مكي، وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، الجلسة برسالة قوية تجمع بين الإلحاح والأمل.
وقال: “نجتمع اليوم في لحظة حاسمة، في إطار مسار إصلاحي يعكس تطلعات جميع اللبنانيين واللبنانيات بعد سنوات من الأزمات”.
وأضاف: “لقد أضعفت الفساد وعدم المساواة مؤسساتنا وعمّقت الفجوات الاجتماعية. حان الوقت لاستعادة الثقة والعدالة”.
وأكد مكي على الترابط الوثيق بين العدالة والمساواة وجهود مكافحة الفساد، مشددًا على أن تمكين النساء والفئات المهمّشة – وخصوصًا الأشخاص ذوي الإعاقة – ليس خيارًا بل ضرورة لتنفيذ وتقييم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في لبنان. ودعا إلى نتائج عملية وحث المشاركين على تحويل المبادئ إلى سياسات مؤسسية وممارسات شفافة.
إعادة تعريف الفساد والاستجابة الوطنية
ردّد علي يوسف، أمين صندوق الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان ورئيس فريق العمل، دعوة الوزير إلى التغيير الجذري.
وقام بتحليل الفساد بشكل يتجاوز التعاريف القانونية التقليدية – مثل الرشوة والاختلاس وإساءة استخدام السلطة – معتبراً إياه مسألة متجذّرة في النسيج السياسي والاجتماعي اللبناني.
وقال يوسف: “مكافحة الفساد يجب ألا تقتصر على العقاب، بل يجب أن تشمل رؤية شاملة تعالج الأسباب الجذرية في السياسة والاقتصاد والثقافة”.
وحث الفريق على بناء استراتيجيتهم استنادًا إلى الدروس السابقة، والتحديات الواقعية، والابتكار المحلي، بدلاً من تبني نماذج دولية جاهزة.
السياسات الشاملة كأداة لمكافحة الفساد
سلّط الاجتماع الضوء على مهمة رائدة: دعم مشاركة الفئات المهمشة – مثل النساء، وذوي الإعاقة، والفقراء، والشباب – في صياغة، ومتابعة، وتقييم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2020–2025).
وقدّم خبراء من الوزارة ومن مشروع “مكافحة الفساد من أجل تعزيز الثقة بلبنان” بقيادة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إطارًا مؤسسيًا مفصلًا وحددوا المهام ذات الأولوية للفريق، والتي تشمل:
-
تطوير خطة عمل سنوية لدعم الفئات المهمشة في تنفيذ الاستراتيجية.
-
تنظيم جلسات حوار منتظمة مع المنظمات غير الحكومية وجمعيات حقوق الإنسان.
-
صياغة توصيات تُثري الاستراتيجية الوطنية بمنظور قائم على المساواة الجندرية والشمولية.
-
مواءمة الجهود مع المعايير الدولية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC).
البيانات التي تدعم المهمة
قدّمت المستشارة ندى مكي مراجعة مكتبية شاملة تربط بين الفساد والإقصاء الاجتماعي. وكشفت أبحاثها عن مدى تأثر الفئات المهمشة بشكل غير متناسب بالفساد النظامي، مما يعيق وصولهم إلى العدالة، ويحد من مشاركتهم السياسية، ويعزز الفقر.
وحذّرت مكي من أن الإطار القانوني في لبنان يفتقر إلى المقاربات الحساسة للنوع الاجتماعي والشاملة، مما يجعله غير قادر على حماية هذه الفئات أو تمكينها بشكل كافٍ. وشددت على أن معالجة الفساد بفعالية تتطلب استراتيجيات مبنية على البيانات وتضمين الفئات الضعيفة في صياغة السياسات.
تأملات نقدية وواقعية
شهدت النقاشات مستوى عالٍ من الصراحة. شدّدت القاضية تيريز علاوي، ممثلة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، على دور التربية والتعليم في ترسيخ قيم المساواة والشفافية منذ الصغر. ودعت إلى تجنب المقاربات النظرية العامة، مطالبة بتركيز الجهود على الثغرات والفئات المهمشة ضمن الاستراتيجية.
وفي الوقت نفسه، عبّر علي يوسف عن دعمه للمهمة، لكنه انتقد بعض المصطلحات الواردة في نص القرار، معتبرًا أن مفاهيم مثل “دولة القانون” و”المعايير الدولية” تبقى في كثير من الأحيان طموحات أو تُطبق بشكل انتقائي. وحذّر من خطورة التمثيل الرمزي الذي قد يُنصف فئات على حساب أخرى.
أثار المشاركون مخاوف إضافية تتعلق بمدى قابلية بعض الأطر الدولية للتطبيق في السياق اللبناني، وخطر الحلول القانونية الجاهزة التي لا تأخذ في الاعتبار الخصوصيات الوطنية. وشدّدوا على ضرورة سن قوانين تنسجم مع البنية المجتمعية والسياسية في لبنان.
رسم الطريق إلى الأمام
اختُتم الاجتماع بعدد من المقترحات العملية:
-
التركيز على تغييرات قابلة للتطبيق ومتلائمة مع السياق المحلي، قادرة على تحقيق أثر ملموس.
-
إنشاء مجموعة واتساب مخصصة لأعضاء الفريق لتسهيل التواصل.
-
إرسال مقترحات خطط العمل قبل 15 أيلول لمراجعتها في الاجتماع المقبل.
-
عقد اجتماعات دورية، على أن يُعقد الاجتماع التالي في مكتب الوزير.
هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)