في كلّ عام، ومنذ إعلان الأمم المتحدة 30 آب يومًا لضحايا الاختفاء القسري، يتكرّر المشهد، نساء ورجال وبرفقتهم أحفادهم، يحملون صور مفقوديهم، ويجتمعون لإحياء هذا اليوم، ليذكّروا السلطة السياسية بالضحايا المنسيين منها وغير المنسيين منهم، ولتكريمهم والتأكيد على إصرارهم على مواصلة البحث عن حقيقة ضائعة ثانيًا، والتأكيد على وجوب الكشف عن مصيرهم ثالثًا.
وفقا للإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي اعتمدته الجمعية العامة في قرارها 133/47 المؤرخ 18 كانون الأول/ديسمبر 1992 بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق على جميع الدول، فإن الاختفاء القسري يحدث عند: ‘‘القبض على الأشخاص واحتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على أي نحو آخر على أيدي موظفين من مختلف فروع الحكومة أو مستوياتها أو على أيدي مجموعة منظمة، أو أفراد عاديين يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو برضاها أو بقبولها، ثم رفض الكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو عن أماكن وجودهم أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجرد هؤلاء الأشخاص من حماية القانون’’
اللقاء كان قرب خيمة المفقودين المنصوبة منذ 19 عامًا في حديقة جبران خليل جبران، على مرأى ومسمع بيت الأمم المتحدة، بدعوة من لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، حيث تمّ غرس شجرة المفقود التي اختاروها شجرة زيتون، كونها ترمز إلى العطاء والحياة، وإلى صلابة الأهالي وإصرارهم على مدار 42 سنة، على حقهم في معرفة مصير أحبّائهم.
في اللقاء كانت كلمة لرئيسة البعثة الدولية للصليب الأحمر في لبنان سيمون كاساينكا اشليمان أشارت فيها إلى أنّه في لبنان يشكّل إصدار القانون 105/2018 وإنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرًا إنجازين مهمّين يمهّدان الطريق لمعرفة مصيرهم. إلّا أنّها أكّدت أنّه لا تزال هناك حاجة لتأمين الدعم السياسي من الدولة، لكي تأتي هذه الآليات بثمارها. وأكدت مواصلة جهود اللجنة للمساعدة في تعزيز هذه الآليات والبقاء إلى جانب الأهالي للدفاع عن حقّهم في المعرفة.
أعلنت رئيسة لجنة المخطوفين والمفقودين في لبنان وداد حلواني عن عدد من العراقيل التي تعيق عمل الهيئة الوطنية التي هي في السنة الأخيرة من عمرها، والتي تحدّ من فعاليتها وإنجازاتها، إلّا أنّها ستترك لرئيس الهيئة التحدّث عن نتائج عملها، في الوقت الذي يراه مناسبًا. واقترحت حلواني عددًا من الإجراءات “التي نراها ضرورية وتتناسب مع الفترة المتبقيّة لها، منها: جمع وتوحيد اللوائح الاسميّة للمفقودين وكلّ المعلومات المتوفّرة لدى الهيئات المحلّية والدولية والرسمية والتأكّد من صحّة المعلومات واستكمال جمع العيّنات البيولوجية من الأهالي والتي كانت بدأتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إنشاء بنك معلومات عن مواقع المدافن الجماعية والتعرّف إلى هويّات الرّفات التي عثر عليها في مقبرة مدوخا وتسليمها إلى عائلاتها.
زرع شجرة المفقود
وفي 29 آب 2024 نظمت لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان لقاء بعنوان “لاقونا لنزرع شجرة المفقود” في “اليوم العالمي للمفقودين والمخفيين قسرًا” أمام تمثال المغترب عند مدخل مرفأ بيروت، حضره اعضاء اللجنة وأهالي المخطوفين وأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت حاملين صور ابنائهم، ولافتات تطالب بـتنفيذ القوانين الدولية لمعرفة مصيرهم ومعرفة الحقيقة في انفجار المرفأ.
بعد النشيد الوطني تلت رئيسة اللجنة وداد حلواني البيان التالي:
“رغم وجعي وحزني، لكنني دفنت ابني جواد وأعرف مكانه، انما انتم وضعكم صعب”،هذ ما قاله لي السيد أجود شيّا في الاجتماع التحضيري لإحياء الذكرى الرابعة لضحايا تفجير مرفأ بيروت. “أنا ذقت وجع ان تفقد ابنك ولا تعرف عنه شيئا، بقيت ثلاثة أيام ابحث عن ابني شربل حتي الى ان وجدته ودفنته”.. هذا ما قاله عبدو حتي في اللقاء الحواري الذي جمعنا في بيت بيروت منذ أسبوع”.
“أنا من جرحى تفجير المرفأ، أنا ضحية في الحرب والسلم أشكر الله انني لن امت، لكن الوجع الكبير والعميق الذي احمله هو فقدان زوجي خلال الحرب”، تعريف السيدة كرم عن نفسها في اللقاء الحواري ذاته”.
اضافت حلواني: “نحن في بلد العجائب: أهالي ضحايا الحرب يتلاقون مع أهالي ضحايا السلم وكلاهما متروك من الدولة. يتبادلون الأوجاع والمواساة، يشدون على الجراح ويفكرون في كيفية التعاون للوصول الى الحقيقة والعدالة. مضى على الحرب 50 عاما ومضى على السلم الذي زفّه الحكام للبنانيين 34 عاما”.
تابعت: “عندما أعلن المسؤولون السلم قالوا لن نستطيع ان نساعدكم لانها كانت ايام حرب والكل قتل وخطف ونصحونا أن ننسى المفقودين ونتطلع الى المستقبل لكننا لم نطبق النصيحة واعتبرنا أن السلم الحقيقي عندما يعود احبابنا ونعرف مصيرهم”.
وسألت: “لماذا التحقيق ممنوع؟ لماذا المحاسبة ممنوعة؟ لماذا القضاء معطل؟ المطالبة بالعدالة صارت ممنوعة في بلدنا وصارت العدالة مفقودة. الى اين؟”.
وقالت: “تعالوا نزرع شجرة المفقود علها تكون حافزًا ومدخلًا لعودة العدالة والسلام الحقيقي. كان من المقرّر أن نزرع خمسين شجرة خلال آب الحالي إلاّ أنه نتيجة للوضع الأمني غير المستقر والخطر، سنكتفي بدعم من البعثة الدولية للصليب الأحمر، بزرع 8 غرسات زيتون في المدن والبلدات الآتية:
9 آب في بلدية زحلة
13 آب في ببنين/عكار وطرابلس
21 آب في بنواتي
23 آب في العزونية
29 آب أمام تمثال المغترب، قرب مرفأ بيروت
30 آب قرب خيمة الأهالي في حديقة جبران خليل جبران، وسط بيروت”.
ختمت: “على أمل أن تكون شجرة المفقود خطوة ضرورية لتحقيق المزيد من التضامن والدعم لعائلات المفقودين وفرض تطبيق قانون المفقودين والمخفيين قسراً (105/2018). وللزرع تتمة…”.
انتهاك خطير لحقوق الإنسان
في أثناء عملية الاختفاء، يمكن أن تنتهك الحقوق المدنية أو السياسية التالية:
- حق الفرد في الاعتراف بشخصيته القانونية؛
- حق الفرد في الحرية والأمن على شخصه؛
- الحق في عدم التعرض للتعذيب أو لأي ضرب آخر من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛
- الحق في الحياة، في الحالات التي يقتل في الشخص المختفي؛
- الحق في الهوية؛
- الحق في محاكمة عادلة وفي الضمانات القضائية؛
- الحق في سبيل انتصاف فعال، بما في ذلك الجبر والتعويض؛
- الحق في معرفة الحقيقة فيما يخص ظروف الاختفاء.
وينتهك الاختفاء القسري أيضا بصفة عامة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للضحايا وأسرهم على حد سواء:
- الحق في توفير الحماية والمساعدة للأسرة؛
- الحق في مستوى معيشي مناسب؛
- الحق في الصحة؛
- الحق في التعليم.
نص كل من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي دخل حيز التنفيذ في 1 تموز/يوليه 2002، والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، التي اعتمدتها الجمعية العامة في 20 تشرين الثاني/ديسمبر 2006، على أن ’’الاختفاء القسري‘‘ يوصف بجريمة ضد الإنسانية عندما يُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين، ولا يخضع بالتالي لقانون التقادم. وفضلا عن ذلك، فإن لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة الحقيقة في ما يتصل باختفاء أحبائهم.