شهد لبنان حدثًا بارزًا في مسيرة إصلاح نظام العدالة الجنائية، مع افتتاح أول مركز لإعادة تأهيل الأحداث في بعبدا، بعد أكثر من 25 عامًا على انطلاق فكرة المشروع. ويُعدّ هذا المركز خطوة غير مسبوقة تهدف إلى نقل الأحداث من بيئة السجون العقابية إلى بيئة rehabilitative تعنى بالتعليم والدعم النفسي والاجتماعي.
المركز، الذي افتُتح رسميًا بحضور وزير الداخلية أحمد حجار والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبد الله، سيستقبل ما يصل إلى 150 قاصرًا تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عامًا، كانوا محتجزين سابقًا في جناح خاص داخل سجن رومية المكتظ، والذي يُعد الأكبر في البلاد.
مشروع بدأ عام 1999
انطلقت فكرة إنشاء مركز خاص بالأحداث في العام 1999 بمبادرة من وزير العدل الأسبق بهيج طبارة، وبدعم من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC). ورغم الوعود والجهود، ومنها عرض تمويل من رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، تعثّر المشروع مرارًا، خاصة بعد التخلي عن الأرض الأصلية المخصصة له في بعاصير – الشوف.
عام 2020، أعاد المدير العام الأسبق لقوى الأمن الداخلي، اللواء عماد عثمان، إحياء المشروع بعد تحديد موقع مناسب في بعبدا – الوروار، كان يستخدم سابقًا كثكنة أمنية. وتمّ تطوير المبنى وتوسيعه ليواكب المعايير الدولية، ويضم صفوفًا تعليمية بالتعاون مع جمعية Lebanese Alternative Learning، مع فصل داخلي بين من هم في مراحل متقدمة من إعادة التأهيل ومن هم في مراحل أولية.
من العقاب إلى الفرصة الثانية
قال الوزير حجار في كلمته: “كان لا بدّ من تبني مقاربة إصلاحية بديلة عن العقابية، تقوم على العدالة التصالحية والدعم النفسي والتربوي والاجتماعي لهؤلاء الفتية. نحن نؤمن أن لكل شاب فرصة ثانية في الحياة”.
وقد خضع عدد من عناصر قوى الأمن الداخلي لتدريب خاص لمواكبة هذه المهمة الجديدة بما يراعي الخصوصية العمرية والنفسية للأحداث. كما تم تجهيز المركز بمرافق تعليمية وعلاجية تهدف إلى إعادة دمج هؤلاء الشباب في المجتمع بطريقة آمنة وإنسانية.
تمويل أوروبي للمشروع
قدّمت بعثة الاتحاد الأوروبي التمويل الأساسي لإنجاز المشروع، بقيمة 4 ملايين يورو. وقالت السفيرة الأوروبية في لبنان، ساندرا دو ويل، خلال الحفل: “نؤكد التزامنا العميق بحقوق الإنسان وإصلاح القضاء في لبنان. هذا المركز يوفر بيئة آمنة تحترم الصحة النفسية والجسدية للأطفال، وهو إنجاز لكل المجتمع اللبناني”.
واقع سجن رومية لا يُناسب الأحداث
حتى الآن، كان الأحداث يُحتجزون في جناح خاص ضمن سجن رومية، لكنهم كانوا يتعرضون لذات القيود الأمنية التي تُفرض على باقي السجناء البالغين، مما يخرق المعايير التي وضعتها اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها لبنان عام 1993.
وعلّق اللواء رائد عبد الله على ذلك بالقول: “لا نخفي أن واقع سجن رومية أصبح صعبًا جدًا، خصوصًا فيما يتعلق بظروف احتجاز القاصرين. نأمل أن يشكّل هذا المركز نموذجًا يُحتذى به لإصلاح واقع السجون كافة”.
بداية لنهج جديد في العدالة الجنائية
يتزامن افتتاح المركز مع إعادة فتح قاعة المحاكمات داخل سجن رومية بعد ترميمها، في محاولة لتسريع المحاكمات والتخفيف من الاكتظاظ. وبينما لا تزال الطريق طويلة نحو إصلاح شامل، يمثّل مركز إعادة تأهيل الأحداث في بعبدا خطوة ملموسة باتجاه بناء نظام عدالة قائم على الإصلاح لا العقاب، وعلى الفرص لا الإقصاء.
وقد يكون هذا المركز بداية تحول جذري، ليس فقط في حياة الفتية الذين سيُعاد دمجهم في المجتمع، بل في نظرة الدولة والمجتمع إلى العدالة وحقوق الإنسان.
هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)