كلمة الفنان مارسيل خليفة في المؤتمر الصحفي الذي عقدت الهيئة الوطنية لحقوق الانسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب م في مقر “المفكرة القانونية” في بدارو بعنوان “اول حقوق الانسان، مكافحة اللاتسامح والكراهية، ماذا بعد الغاء احتفال “مشروع ليلى؟”، بمشاركة 11 منظمة حقوقية وسياسية وثقافية كانت تقدمت بإخبار لدى النائب العام التمييزي بالانابة عماد قبلان في خصوص الاعتداءات على فرقة “مشروع ليلى”.
صباح الحريّة.
الحريّة لا سياج لها … إنها هي السياج.
الحريّة لا ضابط لها … إنها هي الضابط.
الحريّة لا حامٍ لها … إنها هي الحامي.
ما وراء المجتمع والدولة والوطن والدين هناك: الإنسان.
الحريّة هي الإنسان.
نرفض الإعتداء على الحريّة بإسم بضعة لبنانيين، باسم إثنين من اللبنانيين. باسم لبناني واحد على الأقل لا يزال يجد عزاء حياته الوحيد في الحريّة.
وإذا لم يكن في لبنان سوى هذا الرجل فهو يكفي، لأن وجوده وسط ما نحن عليه ليس بطولة فحسب إنه إفتداء ومعجزة.
على أساس وطننا وطن الحريّات، ملجأ المضطهدين، ملتقى الشرق والغرب، تعايش المتناقضات.
الصمت لم يعد ممكناً في هذه الأرض الطافحة بالبؤس، الدافقة بالأوساخ.
ما هذا الفرق والعار ولا شيء يقتل كالعار.
لقد فقدنا هذا الشرف. تنازل عن كبريائه، سقط سقوطاً معيباً …
لمحاكم التفتيش أقول: أول كلمة تعلمتها من أقوال السيد المسيح هي “الحب”.
كنّا نذهب إلى الكنيسة حفاة وكانت أرجلنا ناعمة كالحرير وكثيراً ما كنّا نحلم بالمسيح الذي لنا.
المسيح الذي لا تأسره المؤسسات المتحجِّرة ولا تتاجر به حضارات قاتلة.
أين وجه المسيح في “محاكم التفتيش” لم أجده. لأنه كان قد هجر الدنيا ومات ضد الموت كله.
سيدي: أحمل صليبك وإتبعنا على الأرض.
المسيح ملّ خضوعكم الثقيل ويجب التمرد ورفض الخضوع. وهو مثل الهدامين الخلاقين يبحث عن لغة جديدة تليق بذكائه وإبداعه ولا تضجره بسرعة.
أصدقائي،
إن معاملة مشروع ليلى بالتدابير البوليسية تصرّف جبان وكان لمشروع ليلى الشجاعة لأن يقول في أغانيه رأيه بصراحة وعلى من له رأي مخالف أن يظهر رأيه بأسلوب مماثل.
نحن في مدينة ولسنا في غابة.
نحن دولة على أساس ولسنا عصابات.
من أصدر الأمر بمنع حفلة مشروع ليلى في أرض جبيل (المقدسة)؟ ولماذا لم تنفع المساعي التي بذلت للرجوع عن قرار المنع؟
قيل أن مشروع ليلى منع لأنه يقوم بنشاط “شيطاني” نحن واثقون بأنها تهمة ملفقة. وحتى لو صحت، فلا تعني شيئاً. تسعة على عشرة أشخاص في لبنان، لبنانيين وأجانب يقومون في كل مكان بنشاط “شيطاني”.
وقيل أن الحفلة منعت “لحقن الدماء”: نحن واثقون أن هذا العذر حجّة.
مشروع ليلى ممنوع والسياسيون لا والكهّان لا.
القتلة، الحشرات، الجواسيس، مدبّرو البغايا، تجار الرقيق الأبيض، جرذان المؤامرات ومرتزقة الإغتيالات، وخدام شبكات التهريب والدعارة يسرحون في البلد ويمرحون.
إننا نعتبر ذلك خيانة وطنية.
نحن بلد لا يعني شيئاً خارج بضع قيم أخلاقية وروحية. قيم الإنفتاح والرّحابة والحريّة والتّرحيب بتعايش الأضداد والمتناقضات.
صرنا أسوأ من السجن.
الإعتداء على تراثنا العميق في الحريّة هو خيانة عظمى.
من يسمح في جبيل بهذه الجريمة؟ لأي سبب؟
تحت أي ضغط ؟ بأي ثمن ؟
لم يعد لبنان وطن الحريَة.
نحن الآن نعيش في بلد الخوف.
نحن الآن مواطنون في دولة إختارت أن تمنع حفلة غنائية لأنها لم تستطع أن تتحمّل شجاعتها ونظافتها.
نحن الآن في السجن …
نعيش في محرقة، نأكل بعضنا البعض.
الشوارع تفيض بالفراغ.
أليس غريباً أن تضطهد فرقة فنّية ولا نفعل شيئاً؟
وآخر خبر وردنا الآن إلغاء حفلة بالنبطية بسبب “الطبلة”، طلعت “الدربكة حرام” معقول؟!
الطبلة يا “أهل الدّار” وما أجمل؟!
لبنان يتّسع لكل هذا الخراب ثم يختنق ضيقاً بأغنية، بطبلة. ثم ينتهي بكل موكبه الرسمي والديني وبكل أجهزته لكي يعاقب فرقة فنّية بالمنع المهين خوفاً من أن تكون هذه الفرقة خطراً على نظام لبنان وعلى مذاهبه وطوائفه، على أربابه، على معابده، على أمنه، على سلامته، على رخائه.
فلننتظر الأسوأ خصوصاً من هذه الدولة المنبثقة من مجتمع تركيبه إصطناعي وقيمته زائفة. هكذا دولة هي حتماً دولة تسويات ومساومات وتنازلات وتجاوزات.
لبنان الصغير الذي جعلوه لا طعم له ولا لون وكثير من الروائح الكريهة والذي حلمناه على هوى حبنا، فأفقنا لنجد أنفسنا دخلاء.
ما هو المطلوب؟
المطلوب علمنة الدولة. تحقيق العدالة الإجتماعية، تحقيق الزواج المدني، تحقيق التعليم المجاني. ونمنع أن يموت الإنسان في لبنان جهلاً أو يموت فقراً، بنسف قلاع الظلام والتعصّب.
أصدقائي:
إن ألح وظيفة يقوم بها الواحد اليوم هو خلخلة إيمان هذه البلاد بكل معتقداتها. هذا نعم واجب؟!
لأن كل ما نعتقده خطـأ وكل ما نقوله خطأ.
لنحقق وطن العدل والحريّة.