spot_img
spot_img

منشورات أخرى

دعم المؤسسات الوطنية والتعاون الدولي في إطار القرار 31/51 لمجلس حقوق الإنسان

(الإنجليزية) This article is also available in: English يقدّم هذا التقرير عملاً...

الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: وثيقة إرشادية

المقدمة في عام 2023، كان هناك انفجار في الاهتمام بالتطورات...

رصد انتهاكات حقوق الإنسان في أماكن الاحتجاز في لبنان: الحرمان من كل شيء 

(الإنجليزية) This report is also available in: English رصد انتهاكات...

تقرير زيارة سجني طرابلس وزحلة: الوضع مروّع

(الإنجليزية) This report is also available in: English تقرير زيارة...

“هيومن رايتس ووتش”: استخدام الفسفور الأبيض من قبل إسرائيل يهدد المدنيين في لبنان

(الإنجليزية) This article is also available in: English

قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن استخدام الفسفور الأبيض من قبل إسرائيل على نطاق واسع في جنوب لبنان يعرض المدنيين لخطر جسيم ويساهم في تهجير المدنيين. تحققت هيومن رايتس ووتش من استخدام القوات الإسرائيلية ذخائر الفسفور الأبيض في 17 بلدة على الأقل في جنوب لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، خمس منها استُخدمت فيها الذخائر المتفجرة جوا بشكل غير قانوني فوق مناطق سكنية مأهولة.

الفسفور الأبيض مادة كيميائية مستخدمة في قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ، وتشتعل عند تعرضها للأكسجين. تسبب آثارها الحارقة الوفاة أو الإصابات القاسية التي تؤدي إلى معاناة مدى الحياة. يمكنها إشعال النار في المنازل والمناطق الزراعية وغيرها من الأعيان المدنية. بموجب القانون الإنساني الدولي، استخدام الفسفور الأبيض المتفجر في المناطق المأهولة بالسكان هو عشوائي بشكل غير قانوني، ولا يفي بالمتطلبات القانونية لاتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين.

قال رمزي قيس، باحث لبنان في هيومن رايتس ووتش: “استخدام إسرائيل قذائف الفسفور الأبيض المتفجرة جوا في المناطق المأهولة بالسكان يُضر بالمدنيين بشكل عشوائي ويدفع كثيرين إلى مغادرة منازلهم. على القوات الإسرائيلية التوقف فورا عن استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة، لا سيما عندما تكون البدائل الأقل ضررا متاحة بسهولة”.

قابلت هيومن رايتس ووتش أيضا ثمانية من سكان جنوب لبنان وتحققت من 47 صورة وفيديو من جنوب لبنان تشير إلى استخدام ذخائر الفسفور الأبيض، منشورة في وسائل التواصل الاجتماعي أو تمت مشاركتها مباشرة مع الباحثين، وحددت موقعها الجغرافي. في خمس بلدات، تُظهر الصور ذخائر تنفجر جوا تحتوي على فسفور أبيض يهبط فوق أسطح المباني السكنية في قرى كفر كلا، وميس الجبل، والبستان، ومركبا، وعيتا الشعب الحدودية في جنوب لبنان.

قال رئيس بلدية البستان إن شخصين من البلدة نُقلا على عجل إلى المستشفى نتيجة اختناقهما بسبب استنشاق دخان الفسفور الأبيض عقب هجوم 15 أكتوبر/تشرين الأول. قال رئيس البلدية: “إنهما مدنيان، وكانا في منزليهما. أحدهما عضو في البلدية والآخر مزارع”.

قال الناس لـ هيومن رايتس ووتش إن استخدام الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان في جنوب لبنان ساهم في تهجير السكان من عدة قرى على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

قالت وزارة الصحة العامة اللبنانية إنه حتى 28 مايو/أيار، أدى التعرض للفسفور الأبيض إلى إصابة 173 شخصا على الأقل منذ أكتوبر/تشرين الأول. لم تحصل هيومن رايتس ووتش على أدلة على أي إصابات حروق ناجمة عن استخدام ذخائر الفسفور الأبيض، لكنها سمعت شهادات تشير إلى احتمال حدوث أضرار في الجهاز التنفسي.

قالت الدكتورة ثروت زهران، أخصائية علم السموم والأستاذة المساعدة في طب الطوارئ في “الجامعة الأمريكية في بيروت”: “التأثيرات الأكثر خطورة للفسفور الأبيض هي الجلدية، والتي قد تشمل حروقا من الدرجة الثانية والثالثة يمكن أن تؤدي إلى حروق كبيرة جدا وعميقة ونخرية وكاملة السماكة. يمكن أن يؤدي التعرض لدخان الفسفور الأبيض [أيضا] إلى أضرار حادة في الجهاز التنفسي العلوي، بما فيه ضيق التنفس، والتنفس السريع، والسعال، ولكن يمكن أن يكون له أيضا آثار متأخرة، [بما فيها] الالتهاب الرئوي الكيميائي، الذي قد يتطلب دخول المستشفى ودعم الجهاز التنفسي بجهاز”.

قالت هيومن رايتس ووتش إن استخدام إسرائيل الفسفور الأبيض على نطاق واسع في جنوب لبنان يُبرز الحاجة إلى قانون دولي أقوى بشأن الأسلحة الحارقة. “البروتوكول الثالث لاتفاقية الأسلحة التقليدية” هو الصك الوحيد الملزم قانونا والمخصص تحديدا للأسلحة الحارقة. لبنان طرف في البروتوكول الثالث، لكن إسرائيل ليست طرفا فيه.

ينطبق البروتوكول الثالث على الأسلحة “المصممة في المقام الأول” لإشعال الحرائق أو التسبب في حروق، وبالتالي يستبعد بعض الذخائر متعددة الأغراض ذات الآثار الحارقة، لا سيما التي تحتوي على الفسفور الأبيض. بالإضافة إلى ذلك، له تعليمات أضعف لاستخدام الأسلحة الحارقة التي تُطلق من الأرض في “تجمعات المدنيين”، مثل تلك المستخدمة في لبنان، مقارنة بالأسلحة الحارقة التي تُسقط جوا، رغم أنها تسبب الإصابات المروعة نفسها.

“تجمع المدنيين” له تعريف واسع، يشمل المناطق المأهولة بالسكان وتتراوح من القرى إلى مخيمات اللاجئين إلى المدن. لطالما دعت هيومن رايتس ووتش وعديد من الدول إلى سد هذه الثغرات في البروتوكول الثالث ووضع معايير دولية توفر حماية أفضل للمدنيين من الأذى الناجم عن الأسلحة الحارقة.

على المستوى الوطني، على إسرائيل حظر استخدام ذخائر الفسفور الأبيض المتفجرة جوا في المناطق المأهولة بالسكان لأنها تعرض المدنيين لخطر الهجمات العشوائية. هناك بدائل متاحة للفوسفور الأبيض الموجود في قذائف الدخان، بما فيها بعض المنتجات التي تنتجها شركات إسرائيلية، ومنها قذيفة الدخان من طراز “إم 150” (M150)، التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في الماضي كوسيلة للتمويه لحجب قواته. يمكن لهذه البدائل أن يكون لها نفس التأثير وتقلل بشكل كبير من الضرر بالمدنيين.

على لبنان أن يقدم فورا إلى “المحكمة الجنائية الدولية” بيانا يتيح التحقيق والملاحقة القضائية على الجرائم الدولية الخطيرة الواقعة ضمن اختصاص المحكمة على الأراضي اللبنانية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

قال قيس: “هناك حاجة إلى معايير دولية أقوى ضد استخدام الفسفور الأبيض لضمان عدم استمرار هذه الأسلحة في تعريض المدنيين للخطر. استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض في لبنان مؤخرا ينبغي أن يحفز الدول الأخرى على اتخاذ إجراءات فورية لتحقيق هذا الهدف”.

استخدام الفسفور الأبيض في النزاعات المسلحة

يمكن استخدام الفسفور الأبيض كأداة عسكرية لحجب الرؤية أو وضع علامة أو إرسال إشارة، أو كسلاح لإبعاد قوات العدو. تتفاقم المخاوف بشأن استخدامه في المناطق المأهولة بالسكان نظرا للتقنية العشوائية التي تظهر في فيديوات لقذائف الفسفور الأبيض المتفجرة في الهواء، والتي تنشر 116 جزءا محترقا مشرّبا بالمادة على مساحة يتراوح قطرها بين 125 و250 متر، اعتمادا على الارتفاع والمسافة وزاوية الانفجار، ما يعرض عددا أكبر من المدنيين والمنشآت المدنية لأضرار محتملة مقارنة بالانفجار الأرضي الموضعي.

يشتعل الفسفور الأبيض عند تعرضه لأكسجين الغلاف الجوي ويستمر في الاحتراق حتى حرمانه من الأكسجين أو استنفاده. يمكن أن يؤدي تفاعله الكيميائي إلى توليد حرارة شديدة (حوالي 815 درجة مئوية) وضوء ودخان.

يمكن أن يحترق الفسفور الأبيض الذي يلامس الأشخاص حتى العظام. يمكن لشظايا الفسفور الأبيض أن تؤدي إلى تفاقم الجروح حتى بعد العلاج، ويمكن أن تدخل إلى مجرى الدم وتتسبب في فشل العديد من الأعضاء. يمكن أن تشتعل الجروح التي سبق تضميدها عند إزالة الضمادات وإعادة تعريض الجروح للأكسجين. حتى الحروق الطفيفة نسبيا غالبا ما تكون قاتلة. بالنسبة للناجين، تؤدي الندبات الواسعة إلى شد الأنسجة العضلية وتسبب إعاقات جسدية. تؤدي صدمة الهجوم والعلاج المؤلم الذي يتبعه والندوب المتغيرة المظهر إلى الأذى النفسي والإقصاء الاجتماعي.

استمرت الهجمات الصاروخية والاشتباكات المسلحة بين الجيش الإسرائيلي ومختلف المجموعات المسلحة اللبنانية، بما فيها “حزب الله”، منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول، اليوم التالي للهجوم الذي نفذته فصائل فلسطينية مسلحة بقيادة “حماس” في جنوب إسرائيل، والذي قتل نحو 1,200 شخص، معظمهم من المدنيين، بحسب الحكومة الإسرائيلية. حتى 29 مايو/أيار، قُتل ما لا يقل عن 36,171 فلسطينيا وسط القصف العنيف والعمليات العسكرية في غزة من قبل القوات الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وثّقت هيومن رايتس ووتش استخدام الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض المدفعي في جنوب لبنان وغزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، بالإضافة إلى الأعمال العدائية السابقة في غزة، بما فيها تلك الواقعة في 2009.

سبق لـ هيومن رايتس ووتش التحقق من استخدام ذخائر الفسفور الأبيض المدفعي في جنوب لبنان يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، في موقعين قرب الحدود الإسرائيلية-اللبنانية وفي مدينة غزة. في 12 أكتوبر/تشرين الأول، نفى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي خلال مقابلة على “سي إن إن” استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في جنوب لبنان وغزة.

في 30 أكتوبر/تشرين الأول، وجدت “منظمة العفو الدولية” أن الهجوم في 16 أكتوبر/تشرين الأول على قرية الضهيرة الحدودية اللبنانية باستخدام ذخائر الفسفور الأبيض كان “هجومًا لم يميّز بين المدنيين والعسكريين، وأدى إلى إصابة ما لا يقل عن تسعة مدنيين، وألحق أضرارًا بمواضع مدنية”. شمل الهجوم استخدام ذخائر الفسفور الأبيض التي وفّرتها الولايات المتحدة، بحسب “واشنطن بوست“، التي أجرت تحقيقاتها الخاصة.

قال الجيش الإسرائيلي إن قذائف الدخان الرئيسية لديه لا تحتوي على الفسفور الأبيض، لكنه ذكر أنه “مثل عديد من الجيوش الغربية، يمتلك جيش الدفاع الإسرائيلي أيضا قذائف دخان تحتوي على الفسفور الأبيض… واختيار استخدامها يتأثر بالظروف التشغيلية والتوافر مقارنة بالبدائل”. قال الجيش كذلك إن هذه الذخائر “مخصصة للسواتر الدخانية، وليس للهجوم أو الإشعال”.

تناثر شظايا ذخائر الفسفور الأبيض، كما لوحظ في الصور والفيديوهات التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، يتسق مع قذائف المدفعية التي ورد أن الجيش الإسرائيلي استخدمها في غزة وجنوب لبنان.

حتى 29 مايو/أيار، قتلت الهجمات الإسرائيلية على لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 88 مدنيا على الأقل، بالإضافة إلى أكثر من 300 مقاتل، وفقا لتقارير إعلامية. أفادت تقارير أن الهجمات في إسرائيل التي نفذها حزب الله والفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 قتلت ما لا يقل عن 11 مدنيا و14 جنديا. كما نزح أكثر من 93 ألف شخص من منازلهم في جنوب لبنان، وما لا يقل عن 80 ألف شخص من شمال إسرائيل.

المنهجية

راجع باحثو هيومن رايتس ووتش أكثر من 100 صورة وفيديو منشورة في وسائل التواصل الاجتماعي وشاركها صحفيون ووكالات أنباء وسكان جنوب لبنان، بالإضافة إلى لقطات تمت مشاركتها مباشرة مع الباحثين. حدد الباحثون استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في 47 من هذه الصور والفيديوهات، ثم حددوا الموقع الجغرافي لتلك الصور والفيديوهات لتأكيد مواقعها، وحيث أمكن، حددوا بدقة المنطقة التي سقطت فيها الشظايا المشربة بالفوسفور الأبيض.

تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى ثمانية من سكان جنوب لبنان، منهم رئيس “اتحاد جبل عامل لنقابات العمال الزراعيين في لبنان”، ومعلم، ومصورَيْن يعملان في المنطقة، وعامل إنقاذ في “الدفاع المدني اللبناني”، ورؤساء بلديات كفركلا وميس الجبل والبستان. تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى طبيبة مختصة بالسموم في بيروت.

أرسلت هيومن رايتس ووتش في 22 مايو/أيار رسالة تتضمن نتائج وأسئلة تتعلق باستخدام الفسفور الأبيض إلى الجيش الإسرائيلي، لكنها لم تتلق أي رد.

الاستخدام الموثق في المناطق المأهولة بالسكان

من خلال تحليلها الفيديوهات والصور التي تم التحقق منها، حددت هيومن رايتس ووتش استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في 17 بلدة في جنوب لبنان منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. يشمل ذلك خمس بلدات وقرى استخدمت فيها ذخائر متفجرة جوا فوق مناطق مأهولة بالسكان. في فيديوهات وصور نشرت في مواقع التواصل الاجتماعي أو نشرتها وكالات الأنباء من البستان في 15 أكتوبر/تشرين الأول، ومن كفر كلا في 12 نوفمبر/تشرين الثاني و14 يناير/كانون الثاني و31 يناير/كانون الثاني، ومن ميس الجبل في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، ومن مركبا في 4 مارس/آذار، وفي عيتا الشعب في 3 أبريل/نيسان، سقطت قطع من الشظايا المحترقة بشكل مرئي مباشرة فوق المباني السكنية.

لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد ما إذا كانت هناك أهداف عسكرية في المناطق التي استخدمت فيها القوات الإسرائيلية ذخائر الفسفور الأبيض في جنوب لبنان.

قال رئيس بلدية البستان إن جميع السكان تقريبا كانوا لا يزالون يعيشون في القرية عندما تعرضت للهجوم. قال: “خلال الأسبوع الأول من الحرب، كان جميع سكان البستان البالغ عددهم 900 نسمة تقريبا لا يزالون في القرية. بعد أسبوعين، بقي نحو 700 شخص… ثم كان لدينا حوالي 14 عائلة فقط… استمروا في التناقص تدريجيا، والآن لم يتبق سوى أربعة أشخاص”.

تشير البيانات التي جمعتها “المنظمة الدولية للهجرة” للفترة بين 10 و15 أكتوبر/تشرين الأول، إلى أن النزوح من القرية كان في حده الأدنى حتى تاريخ الهجوم. عندما هوجمت البستان في 15 أكتوبر/تشرين الأول، بقي جميع السكان تقريبا في القرية.

في ميس الجبل، قال رئيس البلدية عبد المنعم شقير، إن “نحو 25 شخصا، جميعهم مدنيون، أُرسلوا إلى المستشفيات بسبب الفسفور الأبيض خلال الأشهر الأولى من الحرب”. تحققت هيومن رايتس ووتش من صور وفيديوهات تُظهر استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في ميس الجبل، في فيديوهات وصور نُشرت في وسائل التواصل الاجتماعي في 12 نوفمبر/تشرين الثاني و5 ديسمبر/كانون الأول.

قال شقير: “استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في ميس الجبل دفع الناس إلى الخروج من القرية وتحويلها إلى منطقة عسكرية”.

قال رئيس بلدية كفركلا إنه يقدر أنه وقت الهجوم بالفسفور الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني، كان نحو 50 إلى 70% من السكان ما يزالون يعيشون هناك. قال: “بقي الناس في منازلهم، رغم أنهم كانوا يغادرونها لبعض الوقت ثم يعودون. لكن منذ يناير/كانون الثاني، بدأت القرية تفرغ من سكانها. استخدام الفسفور الأبيض، وكذلك الضربات المباشرة على المنازل السكنية، هو ما دفع الناس إلى المغادرة”.

تحققت هيومن رايتس ووتش من صور وفيديوهات تُظهر استخدام ذخائر الفسفور الأبيض في كفركلا، في صور وفيديوهات شاركتها وكالات الأنباء أو نُشرت في وسائل التواصل الاجتماعي في 17 أكتوبر/تشرين الأول، و12 نوفمبر/تشرين الثاني، و14 يناير/كانون الثاني، و31 يناير/كانون الثاني، و2 مارس/آذار.

قال مصور إنه بعد استنشاق الدخان المنبعث من ذخائر الفسفور الأبيض المستخدمة في هجوم على كفركلا، بقي في السرير نائما ليومين: “حتى يومنا هذا، تخبرني زوجتي أنني ما زلت أسعل”.

قال الرجل: “في مرحلة ما، اضطررت إلى الاقتراب من دخان الفسفور الأبيض للخروج من القرية لأن الفسفور كان على مشارف القرية. فتحت نوافذي أثناء القيادة، ودخل الدخان إلى السيارة. لست متأكدا مما حدث لكني متأكد من أنني استنشقت. … شعرت بمعدتي تتقلب. شعرت بالألم في حلقي ورئتي ومعدتي. أصبت بالإسهال تلك الليلة. بعد ذلك لم أتمكن من تناول الطعام لفترة، لمدة خمسة أيام تقريبا”.

قال رامز دله، وهو مصور من جنوب لبنان شارك لقطات التقطها لهجمات الفسفور الأبيض على قرية شبعا وتحققت منها هيومن رايتس ووتش، إنه بعد هجوم في ديسمبر/كانون الأول، غطى الدخان المتصاعد من القذائف أجزاءً من وادي شبعا والقرية نفسها.

قال: “بدأ كثير من الناس يشعرون بالخوف من شراء أي شيء من القرية أو من الجنوب لأنهم يخشون أن تكون القرية ضربت بالفسفور [الأبيض]. لم يرغب الناس في شراء المنتجات من قريتنا. شممت واستنشقت الفسفور الأبيض عندما ضربوا شبعا. كل هذا الدخان داخل جسدي لا أعرف ما هي آثاره على المدى الطويل”.

قالت الدكتورة زهران، أخصائية السموم، إن الأطباء وجدوا في بعض الحالات أن “الأشخاص الذين ذهبوا لتفقد منازلهم تعرضوا ثانويا حيث ظهرت عليهم أعراض تنفسية بسبب استنشاق الفسفور الأبيض الذي كان لا يزال مشتعلا وموجودا في المنطقة المتضررة”.

سياسة إسرائيل بشأن استخدام الفسفور الأبيض

عام 2013، أعلنت القوات المسلحة الإسرائيلية أنها تعمل على تطوير قذائف دخان جديدة خالية من الفسفور الأبيض. قال الجيش إنه مع ذلك سيستخدم ويخزن ذخائر الفسفور الأبيض حتى تتوفر لها بدائل كافية، لكنه قال إنه “اعتمادا على نتائج عملية التطوير هذه، تهدف القذائف الجديدة إلى أن تحل تدريجيا محل قذائف الدخان الحالية كوسائل أساسية يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي لأغراض حجب الرؤية”.

جاء التحرك لتطوير البدائل بعد عملية “الرصاص المصبوب” التي شنتها إسرائيل على غزة بين 27 ديسمبر/كانون الأول 2008 و18 يناير/كانون الثاني 2009، عندما أطلق الجيش الإسرائيلي نحو 200 قذيفة فسفور أبيض من الأرض على مناطق مأهولة بالسكان في غزة. اعتمدت القوات الإسرائيلية بشكل خاص على قذائف المدفعية عيار 155 ملم من طراز “إم 825 إي 1” (M825E1)، التي ترسل شظايا الفسفور المشتعلة إلى مسافة 125 متر في جميع الاتجاهات، ما يمنحها تأثيرا واسعا النطاق. ذكرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي استخدم القذائف فقط لإنشاء سواتر دخانية. لكن في مارس/آذار 2009، وثقت هيومن رايتس ووتش وقوع عشرات الضحايا المدنيين في الحوادث الستة التي بحثت فيها. كما دمرت ذخائر الفسفور الأبيض المباني المدنية، بما فيها مدرسة وسوق ومخزن للمساعدات الإنسانية ومستشفى.

أثار استخدام الفسفور الأبيض استنكارا وتدقيقا دوليا ومحليا. عام 2013، ردا على عريضة مقدمة إلى “محكمة العدل العليا” في إسرائيل بشأن هجمات غزة، أكد الجيش الإسرائيلي أنه لا يستخدم الفسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان إلا في حالتين ضيقتين كشف عنهما للقضاة فقط. في حكم المحكمة، شرحت القاضية إدنا أربيل أن الظروف “ستجعل استخدام الفسفور الأبيض استثناء نادرا في ظروف خاصة جدا”. رغم أن هذا التعهد أمام المحكمة لا يمثل تغييرا رسميا في السياسات، إلا أن القاضية أربيل دعت الجيش الإسرائيلي إلى إجراء “فحص شامل وكامل” واعتماد توجيه عسكري دائم.

NHRCLB
NHRCLBhttps://nhrclb.org
تعمل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في لبنان وفق المعايير الواردة في الدستور اللّبناني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والقوانين اللّبنانية المتفقة مع هذه المعايير. وهي مؤسسة وطنية مستقلة منشأة بموجب القانون 62/ 2016، سنداً لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة (مبادئ باريس) التي ترعى آليات إنشاء وعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. كما تتضمن آلية وقائية وطنية للتعذيب (لجنة الوقاية من التعذيب) عملاً بأحكام البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة الذي انضم اليه لبنان بموجب القانون رقم 12/ 2008.