spot_img
spot_img

منشورات أخرى

الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان: وثيقة إرشادية

المقدمة في عام 2023، كان هناك انفجار في الاهتمام بالتطورات...

رصد انتهاكات حقوق الإنسان في أماكن الاحتجاز في لبنان: الحرمان من كل شيء 

(الإنجليزية) This report is also available in: English رصد انتهاكات...

تقرير زيارة سجني طرابلس وزحلة: الوضع مروّع

(الإنجليزية) This report is also available in: English تقرير زيارة...

التقرير السنوي للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب للعام 2023

(الإنجليزية) This article is also available in: English حماية وتعزيز حقوق الإنسان...

خبير الأمم المتحدة يحذر من ” انهيار الدولة” في لبنان وسط انتشار الفقر

رأى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، أوليفييه دي شوتر، في تقرير نشر اليوم أن الأعمال المدمرة للقادة السياسيين والماليين في لبنان هي المسؤولة عن دفع معظم سكان البلاد إلى الفقر، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان.

يتبع تقرير البعثة إلى لبنان تقصي الحقائق وتحقيق في الأسباب الجذرية والآثار المترتبة على أسوأ أزمة اقتصادية ومالية شهدتها البلاد في التاريخ.

“لقد تم دمج الإفلات من العقاب والفساد وعدم المساواة الهيكلية في نظام سياسي واقتصادي فاسد مصمم لإخفاق من هم في القاع ، ولكن لا يجب أن يكون الأمر كذلك ،” هذا ما قاله السيد أوليفييه دي شوتر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان.

“كانت المؤسسة السياسية على علم بالكارثة التي تلوح في الأفق لسنوات لكنها لم تفعل شيئًا يذكر لتلافيها. حتى أن الأفراد المرتبطين جيدًا قاموا بنقل أموالهم إلى خارج البلاد ، بفضل الفراغ القانوني الذي سمح بتدفق رأس المال إلى خارج البلاد. يجب البحث عن الحقيقة والمساءلة من باب حقوق الإنسان “.

مع الانتخابات البرلمانية في 15 مايو ، دعا خبير الأمم المتحدة الحكومة المقبلة إلى وضع المساءلة والشفافية في “قلب ومحور أعمالها” ، بدءًا من الكشف العلني عن مواردها المالية وتضارب المصالح ومطالبة مسؤولي البنك المركزي بالقيام بالمثل.

قال خبير الأمم المتحدة إن الأزمة الاقتصادية التي من صنع الإنسان في لبنان بدأت في عام 2019 ، واليوم يقف البلد على شفير الانهيار، واستشهد بالتقديرات الحالية التي تضع أربعة من كل خمسة أشخاص في فقر.

وقال دي شوتر: “الروابط السياسية مع النظام المصرفي منتشرة ، مما يشير إلى مخاوف جدية بشأن تضارب المصالح في تعاملهم مع الاقتصاد ومدخرات الناس“.

لا توجد مساءلة مضمنة في خطة الإنقاذ الأخيرة ، وهي ضرورية لاستعادة الثقة المفقودة لدى السكان والقطاع المالي. نحن نتحدث عن ثروة وطنية ملك للشعب في لبنان ، بُددت على مدى عقود من سوء الإدارة والاستثمارات في غير محلها من قبل الحكومة والبنك المركزي.

سياسات البنك المركزي ، على وجه الخصوص ، أدت إلى دوامة هبوط العملة ، وتدمير الاقتصاد ، والقضاء على مدخرات الناس مدى الحياة ، وإغراق السكان في براثن الفقر. ووجد تقريري إلى أن المصرف المركزي وضع الدولة اللبنانية في مخالفة صريحة لقانون حقوق الإنسان الدولي.

القيادة السياسية بعيدة تمامًا عن الواقع ، بما في ذلك اليأس الذي خلقته من خلال تدمير حياة الناس. لبنان هو أيضًا أحد أكثر البلدان تفاوتًا في العالم ، لكن القيادة تبدو غير مدركة لهذا في أحسن الأحوال ، ومرتاحة له في أسوأ الأحوال “.

قال دي شوتر إن هناك نقصًا خطيرًا في آليات الحماية الاجتماعية القوية. وقال: “في الوضع الحالي ، إنه نظام يحمي الأغنياء بينما يترك الأسر الفقيرة تعول نفسها بنفسها”. لقد تم تدمير الخدمات العامة ، بما في ذلك الكهرباء والتعليم والرعاية الصحية ، مع وجود دولة تدعم بشكل كبير توفير القطاع الخاص لهذه الخدمات. يذهب أكثر من ربع نفقات التعليم العام إلى القطاع الخاص ، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة ، ولا يؤدي إلى تعليم أفضل ، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب بين الأطفال من الأسر الفقيرة.

وأضاف أن “أكثر من نصف العائلات أفادوا بأن أطفالهم اضطروا إلى تخطي وجبات الطعام ، وأن مئات الآلاف من الأطفال خارج المدرسة”. “إذا لم يتحسن الوضع على الفور ، فسيتم التضحية بجيل كامل من الأطفال.”

وانتقد خبير الأمم المتحدة عقودًا من نقص الاستثمار في نظام الرعاية الصحية العام والإلغاء الجزئي “المشين” للحكومة للإعانات على الأدوية الأساسية. قال خبير الأمم المتحدة المعني بالفقر: “لا تزال الأدوية تعاني من نقص حاد ، كما ارتفعت أسعار أدوية الأمراض المزمنة أربعة أضعاف على الأقل ، وهي عقوبة إعدام شبه مضمونة لمن هم في أمس الحاجة إليها“.

على الرغم من ندرة بيانات الفقر الرسمية – التي لا تجمعها الحكومة بشكل منهجي ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى نقص التعداد السكاني منذ عام 1932 – تشير التقديرات إلى أن الفقر متعدد الأبعاد تضاعف تقريبًا بين عامي 2019 و 2021 ، مما أثر على 82 في المائة من السكان العام الماضي.

وجد تقرير الأمم المتحدة إلى أن اللاجئين الفلسطينيين والسوريين يواجهون ظروف معيشية كارثية في لبنان ، حيث يعيش 88 بالمائة منهم في ظروف معيشية دنيا. ما يقرب من نصف العائلات السورية تعاني من انعدام الأمن الغذائي. “إن محنة اللاجئين الفظيعة هي نتيجة مباشرة للتدابير الإدارية والقانونية التي تفرضها الدولة ، والتي تواصل تهميشهم وإلقاء اللوم عليهم في فشلها في توفير السلع والخدمات الأساسية للسكان ، سواء أكان التعليم أو الوظائف اللائقة أو الشرب الآمن الماء أو الكهرباء.

إذا أردنا استعادة الثقة بمستقبل أفضل ، يجب على الحكومة تعزيز التفتيش المركزي ، وتحرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من التدخل السياسي المحتمل ، وضمان الرقابة المستقلة على كهرباء لبنان ، وترسيخ المساءلة والشفافية في خطة الإنعاش. “

دعا خبيرالأمم المتحدة الحكومة القادمة إلى الالتزام بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان في جميع المجالات من خلال الحد من عدم المساواة ، ومكافحة الفساد والإفلات من العقاب ، وبناء أنظمة حماية اجتماعية وتعليمية ورعاية صحية قوية ومرنة ، ووضع المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة.

عيّن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة السيد أوليفييه دي شوتر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان في أيّار/مايو 2020والمقررون الخاصون جزءٌ مما يُعرف بالإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان. والإجراءات الخاصة، وهي أكبر هيئة من الخبراء المستقلين في منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، هو الاسم العام لآليات تقصّي الحقائق والرصد المستقلة التابعة للمجلس التي تعالج إما حالات قطرية محددة أو قضايا مواضيعية في جميع أنحاء العالم. ويعمل خبراء الإجراءات الخاصة على أساس طوعي؛ وهم ليسوا من موظفي الأمم المتحدة ولا يحصلون على راتب مقابل عملهم. كما أنهم مستقلون عن أي حكومة أو منظمة ويخدمون بصفتهم الفردية.

بيان البروفيسور أوليفييه دي شوتر، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، عن زيارته إلى لبنان، 1-12 تشرين الثاني/نوفمبر 2021

1- مقدّمة

“لبنان في خِضم أزمة اقتصادية واجتماعية ومالية ومعيشية خانقة بلغ الوطن فيها مشارف الإنهيار الكامل، ولم يشهد لها مثيلاً في تاريخه الحديث”. وردت هذه الكلمات في البيان الوزاري لحكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الجديدة، الذي تلاه أمام مجلس النواب في 16 أيلول/سبتمبر بعد أن تولّت الحكومة مهامّها، منهية 13 شهراً من وضع تصريف الأعمال الحكومي. ولا تزال الحكومة جديدة، وتعمل في ظروف استثنائية صعبة. وقد أُعلن في الماضي عن استراتيجيات وخطط عمل مختلفة للمضي قدماً: أهمها إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار في لبنان، الذي أطلق عقب انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتعهدت الحكومة اللبنانية بتنفيذه؛ وخطة الاستجابة للطوارئ في لبنان التي صدرت في آب/أغسطس 2021 وأعدها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لدعم استجابة إنسانية متسقة إزاء الأزمة التي يواجهها البلد. وهذان الإطاران معلمان بارزان لإعادة الإعمار وسد الفجوة بين الإستجابة الإنسانية الطارئة وما يلزم من جهود طويلة الأجل لإعادة الإعمار. ورغم ما ورد في البيان، من الواضح للمقرر الخاص أن النخب السياسية في البلد، ولا سيما الفاعلة في الحكومة، لم تستوعب بعد خطورة الوضع. ومع أن لبنان ليس دولة منهارة بعد، ولكنه يتجه بسرعة نحو الانهيار، وما لم تتخذ تدابير سريعة وحاسمة، ستتسارع به دوامة الهبوط.

يعرب المقرر الخاص عن امتنانه لحكومة لبنان لدعوتها له لزيارة البلد، وخاصة لوزارة الخارجية والمغتربين على تعاونها ودعمها البارزين في الإعداد لزيارته. وخلال الزيارة، التي استغرقت 12 يوماً، التقى المقرر الخاص بدولة رئيس الوزراء السيد نجيب ميقاتي، ودولة رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري، ووزير الطاقة والمياه، ووزير الشؤون الاجتماعية، ووزير الصحة العامة، ووزير العمل، ووزير الاقتصاد والتجارة، ووزير الدولة للإصلاح الإداري،  ووزير الدولة لشؤون النازحين، ووزير المالية العامة، وحاكم مصرف لبنان، وأيضاً رئيس التفتيش المركزي، والمدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وكبار المسؤولين في وزارة التربية والتعليم العالي ووزارة البيئة.  كما التقى مع المجالس البلدية في برج حمود وببنين، وممثلين عن مركز التنمية الاجتماعية في ببنين، وممثلين عن اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وسفراء وأعضاء في السلك الدبلوماسي.  وأخيرا أتيحت للمقرر الخاص فرصة إجراء مناقشات مع بالغين وشباب ونساء وأطفال أصابهم الفقر، ومع لاجئين وعمالٍ مهاجرين وأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك في بيروت وطرابلس وعكار وبعلبك والبقاع. ويتوجه المقرر الخاص بعميق الشكر إلى جميع من شارك برأيه، ووجهات نظره، وتجاربه وخبراته.

pوأتت زيارة المقرر الخاص إلى لبنان في وقت يرزح فيه البلد تحت أربع أزمات مجتمعة. الأولى هي تدفق اللاجئين من سوريا بعد اندلاع الصراع الأهلي في ذلك البلد، ما وضع الخدمات العامة في لبنان ووكالات العمل الإنساني تحت ضغوط شديدة. وقد كان تضامن الشعب اللبناني مع اللاجئين السوريين محلاً للإعجاب. وقد بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان 882,532 لاجئاً، منهم 851,717 سوري. بيد أن الحكومة اللبنانية علّقت تسجيل اللاجئين السوريين الجدد منذ عام 2015، ما يعني أن العدد الفعلي للسوريين الذين يحتاجون إلى حماية دولية في لبنان قد بات الآن مجهولاً. (تشير تقديرات الحكومة إلى أن عدد اللاجئين السوريين في لبنان يصل إلى 1.5 مليون لاجئ، ولكن هذه الأرقام ترتكز إلى حد بعيد على التوافق لا على الأدلة). وقد أثرت الأزمة القائمة تأثيراً شديداً على هؤلاء السكان، كما أنها تؤدي الآن إلى توترات متزايدة بين المجتمعات المضيفة واللاجئين: فقد واجه المقرر الخاص، مراراً خلال زيارته، تعليقات معادية للاجئين السوريين، وأفيد بأن اللاجئين من سوريا حرموا من الوصول إلى المتاجر التي تبيع سلعاً مدعومة، أو اضطروا إلى دفع أسعار مضخّمة مقابل المواد الاستهلاكية الأساسية1.

والأزمة الثانية هي التدهور الخطير في أوضاع الاقتصاد الكلي، لا سيما بعد عام 2019. وتراجع الناتج المحلي الإجمالي للبنان من 55 مليار دولار أمريكي في عام 2017 إلى ما يقدر بنحو 33 مليار دولار أمريكي في عام 2020، في انكماش لم يسبق له مثيل في أوقات السلام2. وأعلنت الحكومة السابقة، في 7 آذار/مارس 2020،  عن تعليق تسديد الدين العام للبلد، وبأنها ستسعى إلى إعادة هيكلة الديون الخارجية (صدر هذا الإعلان قبل يومين فقط من استحقاق سداد مبلغ 1.2 مليار دولار من سندات اليوروبوند وفوائدها)، كما توصلت إلى ترتيبات استثنائية مع المصرف المركزي (مصرف لبنان). وقد سمحت هذه التدابير بالحفاظ، ولو مؤقتاً، على الرصيد المالي، لأن انخفاض الإنفاق على سداد الديون عوّض عن الانخفاض الحاد في الإيرادات العامة بسبب انكماش الاقتصاد.

ولكن الرصيد الأساسي (بدون أن يشمل سداد الديون) تدهور في عام 2020 ليصل إلى 2.8- في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا الخلل يقيد بشدة الآن قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية للسكان والحفاظ على البنى التحتية القائمة. وقد تعرضت احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي لاستنفاد شديد، حيث انخفضت تدفقات رأس المال منذ عام 2011 على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة التي يوفرها مصرف لبنان لجذب رأس المال الأجنبي. وكان سبب الاستنفاد سداد خدمة الدين أو الدفع مقابل الواردات الأساسية (الوقود والأدوية والقمح) بسعر الصرف الرسمي للدولار الأمريكي بالليرة اللبنانية. وقد أدى ذلك إلى انخفاض كبير في الواردات منذ عام 2020، وترتبت على ذلك عواقب وخيمة على السكان، وارتفاع شديد في معدل التضخم: فقد بلغت معدلات التضخم من سنة لأخرى 146 في المائة في كانون الأول/ديسمبر 2020. ووفقاً لبيانات برنامج الأغذية العالمي، تزايدت كلفة الغذاء في لبنان بنسبة 404 في المائة بين تشرين الأول/أكتوبر 2019 وحزيران/يونيو 2021، ما يبعث على القلق في بلد يستأثر فيه الغذاء بنحو 30 في المائة من نفقات الأسرة بالنسبة إلى أكثر من نصف سكانه3.

وقد كان لهذه التطورات آثار هائلة على الفقر. فمع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، تراجعت بدرجة كبيرة القوة الشرائية للأسر التي تأتي مداخيلها بالليرة، ما جعل السلع المستوردة بعيدة عن متناول هذه الأسر في الكثير من الأحيان. ويشمل ذلك مواد أساسية مثل الغذاء والوقود، وبالتالي كلفة النقل وإنتاج الكهرباء عن طريق المولدات الكهربائية: ففي وقت زيارة المقرر الخاص، كان ثمن 20 لتراً من البنزين يساوي ما يقرب من نصف الحد الأدنى القانوني للأجور4، ما يجعل تنقل الموظفين إلى العمل أو التحاق الأطفال بالمدارس مكلفاً، بل بعيداً عن المنال. ولم ينج من براثن عملية الإفقار هذه إلا قلة محظوظة تنال معاشاتها بالدولار الأمريكي أو تتلقى تحويلات نقدية من الأقارب في الخارج.

وشهدت خدمات عامة عديدة تدهوراً سريعاً بسبب ارتفاع تكاليف تشغليها (نتيجة لانخفاض قيمة الليرة وضرورة الدفع للموردين بالدولار الأمريكي أو بأسعار مضخّمة)، وكذلك بسبب الزيادة السريعة في الاحتياجات الاجتماعية مع عدم تحمل أسر عديدة تكاليف الخدمات من القطاع الخاص. وعلى سبيل المثال، انتقل عدد كبير من التلاميذ من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية لأن كلفة المدارس الخاصة ما عادت بمتناول أسرهم. ولجأ بعض المرضى، الذين لربما اختاروا الخدمات الصحية في المستشفيات الخاصة في الماضي، إلى المستشفيات العامة التي عصفت زيادة الطلب بإمكاناتها: فقد التقى المقرر الخاص بموظفين في مستشفى طرابلس الحكومي أعربوا عن إرهاقهم الشديد من جراء هذا الوضع، وأفادوا بأن المستشفى يعمل الآن بما يتجاوز طاقته بكثير. وحتى الطبقة الوسطى التي لديها بعض الودائع المصرفية لا تستطيع سحب هذه الودائع، وتعاني، مثل بقية السكان، من انهيار الخدمات العامة.

والأزمة الثالثة هي جائحة كوفيد-19، التي أثرت على لبنان كما أثرت على البلدان الأخرى، ولكن آثارها فيه كانت أشد بسبب انكشاف أفقر سكان البلد على المخاطر. وبحلول وقت زيارة المقرر الخاص، كان نحو 650,000 شخص في لبنان قد أصيبوا بالفيروس، وتوفي أكثر من 8,500 نتيجة الإصابة. وقد وضعت الجائحة نظام الصحة العامة تحت ضغط غير مسبوق، وتسببت، بدءاً من آذار/مارس 2020، بإغلاق المدارس. وكان أثر الإغلاق أشد على الأطفال من الأسر المنخفضة الدخل الذين لم يتمكنوا من متابعة الدروس افتراضياً بسبب ضعف إمكانية وصولهم إلى الإنترنت، وعدم توفر الكهرباء إلا لبضع ساعات في اليوم، علاوة على افتقارهم إلى حاسوب محمول في المنزل: فقد التقى المقرر الخاص بالعديد من الأسر التي لم يكن لديها سوى هاتف محمول واحد يستخدمه جميع أفراد الأسرة، ما جعل مواصلة الأطفال للتعليم مستحيلة؛ وأبلغت نسبة 25 في المائة من الأسر اليونيسف بأنها غير قادرة على تحمل تكاليف الأدوات اللازمة لمواصلة التعلم عبر الإنترنت5.

ورغم أن السلطات ليس لديها، على ما يبدو، بيانات دقيقة عن التطورات الأخيرة في معدلات التسرب، لكن الأدلة من القصص المتداولة والشهادات الواردة تشير إلى أن هذه المعدلات ارتفعت بسبب تدني الإمكانات، وكذلك لأن العديد من الأسر التي تأثرت بالأزمة المالية، شجعت أطفالها على العمل. والدرس الإيجابي الوحيد المستفاد من هذه الجائحة هو أنه سمح بإطلاق منصة IMPACT، وهي قاعدة بيانات للأسر يشرف عليها التفتيش المركزي، وقد تكون فعالة في الإسراع بتوزيع اللقاحات، ويتوقع أن تدعم، في الأشهر القليلة المقبلة، تنفيذ برامج موسعة للتحويلات النقدية.

والأزمة الرابعة والأخيرة هي انفجار مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، وقد أسفر الانفجار عن مقتل 219 شخصاً، كما شرّد مئات الآلاف، ودمّر، بدرجات متفاوتة، العديد من المنازل. وقد خسر 70,000 عامل وظائفهم. وألحق الانفجار أضراراً بما لا يقل عن 183 مدرسة، ما أثر على حصول أكثر من 85,000 طفل على التعليم. وزار المقرر الخاص الأحياء الأكثر تضرراً، واستمع إلى شهادات ضحايا أعربوا عن شعورهم بأن الدولة تخلت عنهم تماماً. وفي أعقاب الانفجار مباشرة، أنشئ عدد من المنظمات غير الحكومية لتقديم الدعم للضحايا. لكن الدعم الذي كان بإمكانها تقديمه تفاوت بدرجة كبيرة، وارتكز أحياناً على الانتماء الطائفي، وغابت عنه المساءلة، وكان بالمحصلة غير كافٍ البتّة.

ومن الواضح أن هذه الأزمات قد أثرت بشدة على الناس الذين يعيشون في فقر، وقد يتفاقم الوضع قريباً، مع ظهور الآثار على الأعمال التجارية. ولكن تكمن خلف هذه الأزمات أزمة أعمق قد يكون التصدي لها أكثر صعوبة، ألا وهي أزمة الثقة. يشعر السكان بأن الحكومة، العاجزة عن ضمان حقوقهم وعن تلبية احتياجاتهم الأساسية، قد تخلت عنهم. وبالنسبة للكثيرين ممن تحدث إليهم المقرر الخاص، ما عاد للدولة أي أهمية: فاستراتيجياتها للتكيف تقوم على الارتجال وترك الناس لمصيرهم، في حين وصفت الاستراتيجية الرئيسية للحكومة بأنها “مماطلة إلى أن يتمخض الجبل”.

2- الفئات المعرضة للمخاطر

مع أن الإفقار الذي يتعرض له سكان لبنان حالة عامة، تتعرض بعض الفئات لأخطاره بدرجة أكبر من غيرها، وتطالها بأوجه خاصة أضرار تقاطع الأزمات.

أ) عديمو الجنسية
ليس من سجلات رسمية للأشخاص عديمي الجنسية، الذين ما زالوا مستترين عن الدولة باستثناء الأشخاص المشار إليهم بأن أوضاعهم “قيد الدرس”، أي الذين لديهم سجل محدد كأجانب يحملون جنسية مجهولة6. وتحدث المقرر الخاص مع أشخاص عديمي الجنسية في جميع أنحاء لبنان، منهم من ولد في لبنان ومنهم من ولد في بلدان أخرى ولكنه نشأ في لبنان. ومن الناحية النظرية، يمكن للأشخاص عديمي الجنسية تسجيل شهادة ميلادهم حتى بعد مرور عام على ولادتهم، ولكن ذلك يتطلب، في الواقع إجراءات قضائية لا تستطيع الغالبية العظمى تحمل تكاليفها: ونتيجة لذلك، لا يزال هؤلاء غير مسجلين، وبدون هوية، أي بدون قدرة على الحصول على عمل، أو اعتراف بإعاقتهم إذا وجدت، أو حتى إمكانية حصولهم على لقاح كوفيد-19.

ب) اللاجئون السوريون والفلسطينيون

تزداد نظرة اللبنانيين إلى اللاجئين السوريين في لبنان كمنافسين على الوظائف والأمن والموارد والخدمات العامة الشحيحة. وتنتشر الأقاويل والتحيزات والأفكار الخاطئة والمسبقة حول هوية اللاجئين السوريين وأسباب إقامتهم في لبنان على جميع مستويات المجتمع اللبناني، بما في ذلك داخل الحكومة. ومع تفاقم الأزمة، أصبح اللاجئون السوريون كبش فداء في ظل فشل الحكومة في توفير الخدمات والسلع الأساسية للسكان، أكان في مجال التعليم أم توفير فرص العمل اللائق أم مياه الشرب المأمونة أم إمدادات الكهرباء. وينظر كثيرون إلى اللاجئين السوريين على أنهم ميسورون أو يتلقون معاملة أفضل من الأسر اللبنانية، إذ يحصل الكثير منهم على مساعدات نقدية وغذائية عبر مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي7. ونتيجة هذه التصوّرات بعدم المساواة، تظهر توترات مثيرة للقلق بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة تتجلى في تعليقات شبيهة بخطاب الكراهية، وتمييز صارخ، وجرائم مختلفة، وعنف حاد ضد اللاجئين، بما في ذلك الحرق عمداً.

لكن الواقع الذي يواجهه اللاجئون السوريون في لبنان مختلف تماماً. فالمساعدة الإنسانية المجزأة التي يقدمها المجتمع الدولي، والتي تعاني من نقص مزمن في التمويل، هي حبل النجاة الوحيد للكثير من اللاجئين، نظراً للعقبات المتعددة التي تحول دون الحصول على فرص العمل اللائق والخدمات الأساسية. ووفقاً للنتائج الأولية لتقييم تعرض اللاجئين السوريين في لبنان للمخاطر، يعيش 88 في المائة من اللاجئين في لبنان دون سلة الأغذية الأساسية التي تضمن البقاء على قيد الحياة والمقدرة بقيمة 490,028 ليرة لبنانية للشخص الواحد شهرياً، ويواجه حوالي نصف الأسر السورية في لبنان (49 في المائة) انعدام الأمن الغذائي8.

بذلك، يجد اللاجئون السوريون أنفسهم في مأزق لا يعزى فقط إلى الأزمة الحالية، بل إلى عامل أساسي يتعلق بالإجراءات الإدارية والقانونية التي تفرضها الحكومة اللبنانية. فحوالي 16 في المائة فقط من السوريين الذين تبلغ أعمارهم 15 عاماً وأكثر لديهم إقامة قانونية في البلد9، بسبب عدم القدرة على دفع الرسوم المطلوبة لتجديد تصاريح إقامتهم الحالية أو عدم توفر وثائق تسجيل صادرة عن المفوضية، وهي خدمة معلقة منذ عام 2015. ولعدم الحصول على إقامة قانونية تداعيات كبيرة على حرية التنقل وتسجيل المواليد والزواج.

والنتيجة الحتمية لعدم الحصول على إقامة قانونية هي أن معظم اللاجئين السوريين غير حائزين على تصاريح عمل في لبنان.  وحتى أؤلئك الذين لديهم تصاريح عمل يواجهون قيوداً في الحصول على فرص العمل. فبموجب قرار صادر عن وزارة العمل في كانون الأول/ديسمبر 2015، يُستبعد المواطنون السوريون من معظم المهن والأعمال، باستثناء قطاعات البناء والزراعة والبيئة (التنظيف). لذا، يعمل معظم اللاجئين السوريين في القطاع غير النظامي، وغالباً بأجور منخفضة ومن دون حماية اجتماعية أو حماية للعمال.

وفي غياب مصادر دخل موثوقة تضمن مستوى معيشياً كافياً، يعيش 57 في المائة من اللاجئين السوريين في مساكن “خطرة أو مكتظة أو لا تستوفي المعايير المطلوبة”10. والكثير من اللاجئين السوريين يعيشون في ظروف شديدة القسوة ترتبط بشكل مباشر بالقيود التي تفرضها الحكومة اللبنانية على ما يمكن إدخاله من مواد إلى المخيمات والأحياء العشوائية. وقد أُبلغَ المقرر الخاص بحالات قام فيها الجيش اللبناني بهدم عناصر صلبة مثل الجدران والأسقف الخرسانية في الأحياء السورية العشوائية، واستبدلها بمواد لا توفر القدر نفسه من الحماية، ولا سيما إزاء الأحوال الجوية القاسية، وتنطوي على ظروف سكنية غير صحية.

وللظروف التي يواجهها اللاجئون السوريون أضرار كبيرة على الأطفال. فمن النتائج الأكثر خطورةً لغياب الإقامة القانونية، عدم إمكانية تسجيل الأطفال، ما قد يدفع المدارس إلى حرمانهم من الحصول على التعليم. وفي حين أتاحت المدارس  “نوبة ثانية” بعد الظهر يلتحق بها أطفال اللاجئين السوريين، أفاد العديد من التلاميذ بأن التعليم فيها أقل جودة واستمرارية النوبة الثانية غير مضمونة بسبب محدودية الموارد المتاحة. ونتيجة لذلك، يحصل العديد من الأطفال على التعليم غير النظامي الذي توفره منظمات المجتمع المدني ولا يمكن الحصول فيه على شهادات إتمام، ما يعيق متابعة التعليم بعد الصف التاسع. وتشير التقارير إلى تزايد حالات التسرب من المدارس وعمل الأطفال11، لأن الآباء غير قادرين على تحمل تكاليف النقل والمواد المدرسية وغيرها.

ويواجه اللاجئون السوريون ضغوطاً متزايدة للعودة إلى بلدهم، نظراً لتفاقم التوترات بينهم وبين المجتمعات المضيفة. وفي حين يرغب الكثيرون في العودة إلى ديارهم، فهم لا يستطيعون ذلك حتى ضمان العودة الآمنة وما لم تكن الظروف في مناطقهم الأصلية مناسبة لعودتهم. وتشير الأدلة إلى أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وإمكانية الحصول على الخدمات الأساسية في لبنان لا تؤثر كثيراً على قرار اللاجئين بالعودة إلى ديارهم12. وبالتالي، فإن أي إجراءات قد تتخذ للضغط على اللاجئين للعودة إلى ديارهم لن تحقق على الأرجح هدفها13، ولن تأتي إلا بكلفة باهظة على حقوق الإنسان للاجئين السوريين.

ويستضيف لبنان لاجئين فلسطينيين تقدر الأونروا عددهم بحوالي 181,000 لاجئ (وقد قدمت خدمات لحوالي 257,000 شخص في المجموع)، يعيش معظمهم في البلد منذ عام 1948.  ومع ذلك، لا يزال الوضع القانوني لهؤلاء اللاجئين غامضاً وهم يعيشون على هامش المجتمع. ويواجه هؤلاء عقبات متعددة تحول دون حصولهم على التعليم والعمل اللائق والحماية الاجتماعية، فيعتمدون بالكامل تقريباً على ما تقدمه الأونروا من مساعدات وخدمات هي بدورها غير مستقرة بسبب محدودية الموارد والتقلبات في التمويل من الجهات المانحة. وبموجب سلسلة من القوانين والمراسيم الوزارية والقرارات، يُستبعد اللاجئون الفلسطينيون من ممارسة 39 مهنة نقابية، مثل القانون والطب والهندسة. ومع مبدأ التفضيل الوطني وشرط الحصول على تصريح عمل، لا يستطيع اللاجئون الفلسطينيون عملياً الحصول على فرص لائقة في سوق العمل النظامي. وغالباً ما يقتصر عمل اللاجئين الفلسطينيين على عمل منخفض الأجر في القطاع غير النظامي لا يتطلب مهارات عالية ولا يوفر أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية. وفي حين تترتب على أقلية هامشية من اللاجئين الفلسطينيين العاملين في القطاع النظامي المساهمة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنسبة 23.5 في المائة من قيمة الراتب، يعتبر هؤلاء أجانب من بلد ليس بينه وبين لبنان اتفاق للمعاملة بالمثل، وبالتالي فهم لا يحصلون على أي استحقاقات للضمان الاجتماعي، باستثناء تعويض نهاية الخدمة،  الذي يساوي حوالي 8.5 في المائة فقط من القيمة المدفوعة.

واللاجئون الفلسطينيون محرومون من الحق في امتلاك أي عقار ويعيش حوالي نصفهم (45 في المائة) في أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الرسمية وعددها 12، ويقيم الباقون في ما يسمى “تجمعات” قرب المخيمات أو في مساكن غير نظامية. وجميع هذه الأماكن مكتظة وغير صحية وغير آمنة، وإمكانية الوصول فيها إلى البنى التحتية والخدمات الأساسية محدودة. وقد زار المقرر الخاص مخيم شاتيلا للاجئين في بيروت: إنه عرض حي للبؤس الذي تديمه السياسات القائمة والقيود المفروضة. وكان على المخيم، الذي لم توسع مساحته منذ عام 1950، التكيف مع الزيادة السكانية بطريقة عشوائية، دون الحصول على مواد البناء المناسبة. فالمباني ترتفع عمودياً وتصبح مهددة بالانهيار، ويشوبها سوء التهوية والتوصيل العشوائي للأسلاك الكهربائية وسط أنابيب المياه الذي ينطوي على مخاطر الصعق بالكهرباء.

وأكثر من 28,000 لاجئ فلسطيني من سوريا معرضون بشكل خاص للمخاطر، لأن الكثير منهم غير قادرين على تسوية أوضاعهم في لبنان، وبالتالي يعتمد معظمهم – 92 في المائة – بشكل كبير على المساعدات النقدية التي تقدمها الأونروا كمصدر رئيسي للدخل14. وكما هي حال العديد من برامج المساعدة الإنسانية الأخرى، فإن برنامج المساعدة النقدية هذا الذي يوفر 100 دولار لكل أسرة شهرياً يعتمد على الجهات المانجة ومن المقرر سحبه في نهاية عام 2021، ما يترك للأسر المستفيدة القليل فقط من مصادر الدخل البديلة.

ج) العمال المهاجرون

يضم لبنان أكثر من 200,000 عامل مهاجر. الكثير منهم، وخاصة العاملات المنزليات، فقدوا عملهم لأن أرباب العمل لم يعودوا قاردرين على دفع رواتبهم؛ وترك أرباب العمل البعض أمام سفاراتهم دون أي مال أو مساعدة للعودة إلى بلدان المنشأ. ومعظم الذين بقيوا يعيشون في ظروف شديدة الخطورة: فقد أشار مسح أجري مؤخراً إلى أن أكثر من 50 في المائة من العمال المهاجرين المشمولين غير قادرين على تلبية الاحتياجات الغذائية، و53 في المائة يعيشون في ظروف سكنية دون المستوى المطلوب15.

وحتى قبل الأزمة، كانت العاملات المنزليات المهاجرات عرضة بشكل خاص للفقر وسوء المعاملة والاستغلال، لأن العمل المنزلي يقع خارج نطاق الحماية بموجب قانون العمل، ويخضع وضع العاملات المنزليات في البلد لنظام الكفالة، الذي يربط إقامتهن القانونية بأرباب العمل. ونظام الكفالة يولد اختلالاً هائلاً في موازين القوى بين أرباب العمل والعاملات، ما يؤدي إلى العمل القسري والممارسات الاستغلالية، مثل عدم دفع الأجور، والفصل الجائر، والعمل الزائد، وتقييد التنقل، والعنف، والاعتداءات. وبموجب نظام الكفالة، بمجرد أن تترك العاملات المنزليات أرباب العمل، يفقدن حق الإقامة ويعتبرن مهاجرات “غير شرعيات” في البلاد، مع التعرض لخطر الاعتقال والاحتجاز. ويواجه مواليد العاملات عواقب وخيمة بسبب صعوبة الحصول على الهوية القانونية وبالتالي الحصول على الخدمات الأساسية.

وقد سر المقرر الخاص بقول وزير العمل إنه سيدقق في معايير منح التصاريح لوكالات التوظيف لمنع حالات الاتجار بالبشر، وأن يلتمس موافقة مجلس الشورى على دمج العقد الموحد المنقح في هذه المعايير، وهو ينص على أحكام عدة منها ما يتعلق بالإجازة المدفوعة الأجر، وحظر حجب الأجور ومصادرة جوازات السفر والوثائق الشخصية. ولا بد من النهوض بهذه الخطوة لتمكين العمال من إنهاء العقود، على أن تضع الحكومة آلية لرصد تنفيذ الأحكام المتعلقة بأرباب العمل.

د) المرأة

تتحمل المرأة كالعادة عواقب إخفاق الدولة في تأمين الخدمات العامة والحماية الاجتماعية الكافية. بيد أنّ لبنان يمثّل حالة مقلقة بصورة خاصة بما أنه يسجّل أحد أدنى معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل في العالم. فمن حيث معدل المشاركة في القوى العاملة، احتل المرتبة 144 بين 156 بلداً استُعرضت في الإصدار الأخير للتقرير العالمي للفجوة بين الجنسين، مسجلاً نسبة 25.6 في المائة16. كما أنه احتل ثالث أدنى مرتبة بين هذه البلدان فيما يتعلّق بكلّ المؤشرات الأخرى التي لها صلة بالمرأة، بما في ذلك التحصيل التعليمي والصحة والبقاء على قيد الحياة والتمكين السياسي. فلا تمثّل النساء سوى 4.7 في المائة من أعضاء مجلس النواب17. وتبلغ رواتب النساء 34 في المائة من رواتب الرجال18. ولا يزال التمييز في صلب التشريعات: فلبنان يتمسّك بتحفظه على المادة 9(2) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، حفاظاً على الفرق في المعاملة بين المرأة والرجل فيما يتعلق بحق منح الجنسية للأطفال.

وتأتي مختلف أشكال التمييز التي تواجهها المرأة، لا سيما في مجال الحصول على عمل، لتفسّر سبب عدم التكافؤ الذي ما يزال كبيراً بين ما تؤديه المرأة من أعمال رعاية غير مدفوعة الأجر من جهة ومدى مساهمة الرجل في هذه الأعمال من جهة أخرى؛ وتشير التقديرات إلى أنّ المرأة تقضي أكثر من 5 ساعات يومياً في أداء أعمال الرعاية19.  ولا يتمّ الاقرار، عند انفصال الزوجين، بهذه المساهمات غير النقدية التي قدّمتها المرأة ولا بالفرص الاقتصادية التي أضاعتها بعد أن ساهمت في مسيرة زوجها المهنية، ما يعزز تهميش المرأة اقتصادياً ويدفعها، في بعض الحالات، إلى البقاء أسيرة علاقة زوجية مسيئة20.  كما أن التمييز الذي تواجهه المرأة في الحصول على عمل هو تفسير أساسي لحقيقة أن الأسر التي يعيلها رجل يُرجح أن تستفيد من برامج التأمين الاجتماعي (باستثناء معاشات الشيخوخة) أكثر بكثير من الأسر التي تعيلها امرأة21. علاوة على ذلك، أدت الأزمة الاقتصادية الحالية إلى ارتفاع كبير في العنف القائم على النوع الاجتماعي، بحسب ما تناهى إلى مسامع المقرر الخاص في الاجتماعات التي نُظمت في الملاجئ والأماكن الآمنة للنساء والفتيات. وبالفعل، تُظهر البيانات أن نسبة اللبنانيين الذين طلبوا الحصول على خدمات المساعدة ضد العنف قد ارتفعت من 21 في المائة في عام 2018 إلى 26 في المائة في عام 2019 ثمّ إلى 35 في المائة في عام 2020؛ والغالبية الساحقة، كما هو متوقّع، هي من النساء.22 كذلك، أصبح التحرش الجنسي في مكان العمل أكثر شيوعاً لأن الأزمة القائمة تحتّم على المرأة المحافظة على عملها23.

ه) الأطفال

تلقّى الأطفال الصفعة الكبرى نتيجة الأزمة الاقتصادية التي ترتّبت عنها آثار ذات صلة بالتغذية والتعليم والعمالة. فبات 80 في المائة من الأطفال أسوأ حالاً مما كانوا عليه في بداية عام 2020.  ومع أنّ اليونيسف تقدّم “منحة متكاملة للأطفال” تهدف إلى دعم 70,000 طفل، فإن هذا الدعم غير كاف على نطاق واسع وغير مستدام على المدى الطويل24. وتحدّث المقرر الخاص مع أطفال في بلدتي حلبا ومنيارة في منطقة عكار، كانوا على علم بأسعار الدولار والأزمة الاقتصادية وارتفاع كلفة الأغذية والأدوية، وهي مواضيع لا ينبغي أن يشغلوا تفكيرهم بها إلا في مرحلة متقدّمة من عمرهم. وأعرب الكثيرون منهم، حتى من هم في سن مبكرة جدًا، عن رغبتهم في مغادرة البلد والعيش في أماكن أخرى.

واضطرت العديد من الأسر إلى خفض كمية الغذاء الذي تستهلكه25. فقد أفادت 77 في المائة منها بأنها تفتقر إلى ما يكفي من الغذاء أو المال لشراء الغذاء، كما أفادت 60 في المائة بأنّها تشتري الطعام بالدين أو تقترض المال26. وكان لذلك أثر على الأطفال أيضًا، على الرغم من الجهود التي يبذلها الوالدان لمنحهم الأولوية27. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 30 في المائة من الأسر أفادت بأنّ طفلاً واحدًا على الأقلّ من أطفالها قد فوّت وجبة في آذار/مارس 2021.28 ولمثل هذه القيود الغذائية عواقب مقلقة بوجهٍ خاص على وضع الأطفال الغذائي ونموهم29.

وأجبر تدهور الوضع الاقتصادي للأسر الكثير من الأطفال على التخلي عن الدراسة للمساهمة في دخل الأسرة30. ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، شهد لبنان زيادة في معدلات عمالة الأطفال31. ففي البقاع، نحو 70 في المائة من أفراد الأسرة العاملين هم من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و18 عاماً32. وعموماً، أفادت 9 في المائة من الأسر بأنّها أرسلت أطفالها إلى العمل اعتباراً من شهر نيسان/أبريل 202133. ويلجأ الأطفال، بمن فيهم من لا تتجاوز أعمارهم ست سنوات، إلى العمل في بيئات مهيأة للاستغلال والعنف وسوء المعاملة، إن في الشوارع أو في الحقول الزراعية وورشات تصليح السيارات أو في مواقع البناء34. وقد اضطر الأطفال في الكثير من الأسر إلى ترك مقاعد الدراسة للمساعدة في إعالة الأسرة مالياً. في المقابل، انتقل أطفال آخرون من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية، على الرغم من أن عدم توفر وسائل النقل العام قد يجعل هذه المدارس غير متاحة عملياً35. ففي عام 2020، أدى الفقر والعوامل المرتبطة به إلى حرمان 400،000 طفل من الالتحاق بالمدرسة36. وازدادت معدلات زواج الأطفال مع لجوء المزيد من الأسر إلى تزويج بناتها الصغيرات سعيًا إلى تخفيف بعض العبء الاقتصادي.37 وفي هذا الإطار، كتب باحثو منظمة الخطة الدولية أن “الحدّ من برامج التنمية أو تقليص المساعدات” إلى جانب الضغط الاقتصادي، كلها عوامل تساهم في زيادة زواج الأطفال38.

تُشكّل العقبات التي تعترض تسجيل الأطفال مصدر قلق من نوع خاص، وتُثار بانتظام ضمن نظام حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. فبدون بطاقة هوية أو إخراج قيد، يمكن للمدارس الرسمية أن تمنع تسجيل الطلاب غير اللبنانيين في صفوفها. ورغم أن تعميماً سنوياً صادراً عن وزارة التعليم يتيح لهذه المدراس تسجيل الأطفال عديمي الجنسية أو الأطفال الذين لا يحملون بطاقة هوية صالحة، فقد التقى المقرر الخاص بأُسر وأطفال عديمي الجنسية لم يُسمح لهم بدخول المدرسة أو لم يتمكنوا من الحصول على شهادات صالحة لمواصلة تعليمهم في المدارس الحكومية، إذا كانوا قد التحقوا بمؤسسات تعليمية غير رسمية تديرها منظمات غير حكومية مسجلة. وفي حالة المستشفيات الحكومية أيضاً، قد لا يُسمح بدخول الأشخاص عديمي الجنسية على أساس أنّهم يفتقرون إلى بطاقة هوية قانونية، ولا بد أن يحصلوا على إذن استثنائي من وزارة الصحة لهذه الغاية39. لذلك، ينبغي تعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1951 لتسهيل تسجيل الأفراد، حتى بعد مضي السنة الأولى بعد الولادة.

و- الأشخاص ذوو الإعاقة

الأشخاص ذوو الإعاقة في لبنان هم عرضة بوجهٍ خاص للفقر. فهم مستبعدون إلى حدٍّ كبير من سوق العمل، إذ تقع نسبة من لا يعملون أو لم يعملوا إطلاقًا بين 71 و80 في المائة، ممّا أدى إلى تعرّضهم للفقر المدقع والتهميش الاجتماعي40. علاوة على ذلك، فإنّ من يعمل منهم لا يجد في كثير من الأحيان فرصاً توفر له مستوى معيشياً لائقاً وآفاقاً وظيفية مستقرة41.

ويعكس هذا الاقصاء والتهميش المنهجيين افتقار الحكومة إلى الإرادة السياسية. فلبنان هو بلد من أصل ستة عشر بلداً لم تصدّق على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وحتى أنّه لم يطبق تشريعاته الخاصة في هذا الإطار: فالكثير من الأحكام المتعلقة بقضايا العمل والمنصوص عليها في القانون 2000/220 للأشخاص ذوي الإعاقة لا تزال بانتظار إدخال القوانين المحلية حيّز التنفيذ42. ولا يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة أن يحصلوا دائماً على المعلومات اللازمة لهم، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالحقوق43. ورغم انتشار تكنولوجيات الاتصال الجديدة التي تحسّن إمكانية وصول بعض الأفراد إلى سوق العمل، فأولئك الذين يعانون من إعاقات معيّنة أو يعجزون عن دفع ثمن هذه التكنولوجيات مستبعدون، ما يؤدي إلى تدهور وضعهم44. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال وصول ذوي الإعاقة إلى الكثير من المباني أمراً متعذّراً، مما يحد من حصولهم على فرص التعليم والعمل. فتبلغ نسبة الأميين بين الأشخاص ذوي الإعاقة 50.4 في المائة، ما يعكس مدى حرمانهم من التعليم45.

يتفاقم الفقر الذي يواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان بفعل غياب برامج الحماية الاجتماعية الشاملة وعدم كفاية فرص الحصول على الرعاية الطبية. أمّا الإعانات والمساعدات الأسرية، رغم أنه منصوص عليها، فهي غير متاحة لشريحة كبيرة من الاشخاص ذوي الإعاقة46. ومع ذلك، تنفق الأسر التي تضم فرداً ذا إعاقة، ما معدله 16.5 في المائة أكثر من غيرها من الأسر لتحقيق المستوى المعيشي نفسه، وتتضاعف هذه النسبة لدى أدنى 20 في المائة من أصحاب الدخل47.

3- استعادة الثقة

أ) الحفاظ على نزاهة النظام السياسي

النظام السياسي اللبناني غير ملائم لمعالجة الأزمات التي تواجه البلد. فقد مرّ عامان على بدء أزمة اقتصادية ذات أبعاد هائلة دمرت حياة الكثيرين، ومع ذلك أخفقت القيادة السياسية حتى الآن في الاضطلاع بدورها. واطّلع المقرر الخاص، في محادثاته مع مسؤولين حكوميين في معظم الوزارات، على تفاصيل وافية عن التحديات التي تواجهها الحكومة، إلاّ أنّه لم يلقَ سوى القليل من الإجابات بشأن خطة إنعاش متماسكة طويلة الأجل. فالنظام السياسي اللبناني القائم على توافق الآراء يحول دون اتخاذ إجراءات في وقت لا يستطيع فيه السكان الانتظار.

بالإضافة إلى ذلك، عانى لبنان تاريخياً من انعدام الإرادة السياسية لإطلاق سياسات اجتماعية، ما أدى إلى انخفاض الاستثمارات في البنية التحتية العامة، وبالتالي حدّ من قدرة الدولة على أداء دورها والاستجابة إلى الأزمات48. وفي الواقع، تبعت الاستثمارات الرئيسية التي وُظّفت في تسعينات القرن الماضي وفي الألفية الثانية، نمطاً طائفياً واضحاً. وفي حين كان الهدف من إنشاء بعض المؤسسات الإنمائية خلال تلك السنوات هو إعادة بناء قدرة المناطق، فقد حدث ذلك على حساب إعادة التوزيع بين فئات أصحاب الدخل. ولم يستجب توزيع الأموال العامة خلال هذه السنوات إلى الأولويات الاجتماعية والاقتصادية، بل تبين أنه ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالانتماء الطائفي49.

أمّا تركيز القوة الاقتصادية واستيلاء الجهات الفاعلة الاقتصادية على الدولة سعياً منها إلى تعزيز وضعها كجهات ريعية، فأدى إلى تفاقم الوضع سوءاً. ومُنحت نسبة 60 في المائة من إجمالي إنفاق مجلس الإنماء والإعمار اللبناني بين عامي 2008 و2018، أو 1.9 مليار دولار، لـ10 شركات فقط، كانت معروفة على نطاق واسع بعلاقاتها السياسية50. وعلى مستوى الأقضية، أظهر هذا البحث أن شركتين حصدتا ما لا يقلّ عن 50 في المائة من إجمالي قيمة المشاريع التي نُفذت بين عامَي 2008 و2018 في 22 قضاءً من أصل 26، وأن حصة أكبر شركتين قد تجاوزت 60 في المائة في 11 قضاءً51.

وارتباط السياسيين بالقطاع المصرفي يفاقم الأزمة. ففي عام 2014، سيطر أفراد مقربون من النخب السياسية على 43 في المائة من الأصول في القطاع المصرفي التجاري اللبناني، فكان المساهمون الرئيسيون في 18 مصرفاً من أصل 20، مرتبطين بالنخب السياسية. وسيطرت حوالي 8 عائلات على 29 في المائة من إجمالي أصول القطاع، بمجموع أسهم تفوق قيمتها 7.3 مليار دولار أمريكي52. والمصارف المرتبطة سياسياً أكبر عادةً من المصارف الأخرى، وهي تحوز على سندات حكومية أكثر، مما يزيد من التعرض السيادي، كما أنها تقدم المزيد من القروض من خلال المحسوبية السياسية وتوزيع الريع، وتواجه معدلات تخلّف أعلى عن سداد قروضها53.

وتصل الروابط بين السياسيين والقطاع الخاص إلى أعلى مستويات السلطة السياسية في لبنان، مما يسهم في عدم المساواة ويضر بجهود إعادة التوزيع. ويهيئ هذا السياق بيئة خصبة للفساد: فيحتل لبنان المرتبة 149 من أصل 180 اقتصاداً في مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية54.

ونظراً لشدة الأزمات وتداعياتها على السكان، لا بد أن يكشف الموظفون العموميون، ومن باب أولى من هم في المناصب القيادية العليا، عن دخلهم وأسهمهم ومصالحهم المالية الأخرى علناً، من أجل مكافحة الثروة غير المشروعة وتضارب المصالح55. ولن يضمن ذلك فقط تعزيز الاتساق مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي صدق عليها لبنان، بل سيسهم أيضاً في كفِّ أصابع الاتهام بالممارسات غير مشروعة، في وقت لا يستطيع فيه اللبنانيون الوصول إلى ودائعهم الخاصة.

ويؤدي التفتيش المركزي دوراً حاسماً في ضمان الرقابة على الإدارات العامة ومساءلتها. ومع ذلك، فهو يواجه نقصاً كبيراً في التمويل، حيث خُصّص 98 في المائة من ميزانيته التي تبلغ 10 مليارات ليرة لبنانية لرواتب المفتشين الذين يقل عددهم عن 100 مفتش للإشراف على أكثر من 130,000 موظف حكومي. وعلى التفتيش المركزي أيضاً تقديم ميزانيته للموافقة عليها كل عام، ما يطرح عقبة مقلقة أمام التمويل المتوقع. وعلاوة على ذلك، فإن بعض المؤسسات، وأبرزها مجلس الإنماء والإعمار والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تفلت من تدقيق التفتيش المركزي، ما يقوّض الشفافية والمساءلة.

ب) الانتقال من برامج التحويلات النقدية إلى الحد الأدنى للحماية الاجتماعية

نظام الحماية الاجتماعية في لبنان تشوبه فجوات كبيرة، وهو أبعد ما يكون عن توفير ضمان الدخل الأساسي للسكان. ونظام التحويلات النقدية الرئيسي، أي البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، يغطي حالياً نحو 36,000 أسرة، وهو يوفر شهرياً 126 دولاراً أمريكياً للأسر المستفيدة56. وقد أُعلن عن توسيع نطاق البرنامج في الأشهر القليلة المقبلة ليشمل ما مجموعه 75,000 أسرة. ولكن ذلك يبقى غير كاف. فسيغطي البرنامج عُشر السكان على الأكثر، في وقت تطال فيه عملية الإفقار جميع السكان تقريباً في لبنان، الذين تأثروا بتراجع القوة الشرائية وانهيار الخدمات العامة في قطاعات الصحة والتعليم والنقل. ولا يولي البرنامج سوى القليل من الاهتمام لعنصري التعليم والصحة، مع تدنّ كبير بين عامي 2016 و2017 على وجه الخصوص57.

وثمة مشكلة في توجيه الدعم. فقد كلفت شبكة من مراكز التنمية الاجتماعية في جميع أنحاء البلد بتقييم ما إذا كانت الأسر التي تطالب بالحصول على استحقاقات البرنامج هي بالفعل بحاجة إليها. ومع ذلك، وكما لاحظ الأخصائيون الاجتماعيون من مراكز التنمية الاجتماعية الذين تحدث معهم المقرر الخاص، لا تتناسب المعايير المتبعة مع طبيعة الأزمة الراهنة. فالبرنامج يعتمد صيغة عمرها عشر سنوات وخط فقر لم يعد مناسباً لحجم مشكلة الفقر التي يواجهها البلد حالياً. وقد تُستبعَد الأسر التي تملك أجهزة معينة أو التي تتميز مساكنها بخصائص معينة، بغض النظر عما إذا كانت قد خسرت مصادر دخلها أو كان دخلها فقد كثيراً من قيمته بعد تدهور قيمة الليرة اللبنانية.

وأخيراً، العديد من الأسر المنخفضة الدخل لم تكن على علم بالبرنامج، أو فقدت الثقة في الإدارة العامة، وترى أنها ستُحرم من الاستحقاقات في غياب أي صلات لها بأحزاب سياسية معينة أو بأفراد ذوي نفوذ. وفي المنكوبين، طرابلس، التقى المقرر الخاص بالكثير من العائلات التي لم تستطع تفسير سبب عدم تلقيها أي دعم من خلال هذا البرنامج على الرغم من كونها أسوأ حالاً من الجيران الذين استفادوا منه. وفي المدينة الرياضية، بيروت، أفادت العائلات بأنها اختارت عدم التقدم لهذا البرنامج لأنها تعتقد أنها لن تتلقى المساعدة بسبب عدم انتمائها لأي طرف سياسي.

وإذ تدرك الحكومة أن مستوى الحماية الذي يوفره البرنامج غير كافٍ،  أعلنت عن إطلاق برنامجين إضافيين. أولهما ﺷﺑﻛﺔ اﻷﻣﺎن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﻻت اﻟطوارئ، التي يجب أن تقدم المساعدة لنحو 160,000 أسرة، ويمولها البنك الدولي من خلال قرض بقيمة 246 مليون دولار تمت الموافقة عليه مبدئياً في كانون الثاني/يناير 2021. وضمن هذا البرنامج يجب أن تحصل كل أسرة شهرياً على 126 دولاراً أمريكياً كحد أقصى، حسب حجم الأسرة. وقد تأخر دخول البرنامج حيز التنفيذ لعدة أشهر، لأسباب منها التغييرات في اتفاق القرض التي حاولت الحكومة السابقة فرضها من جانب واحد على البنك الدولي. وبعد المناقشات النهائية بين البنك والحكومة، يبدو أن البرنامج على وشك الانطلاق، ولكنه قد يواجه نفس القيود التي رافقت البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً من حيث توجيه الدعم.

أما البرنامج الثاني، فهو برنامج بطاقة الحصة الغذائية الذي يهدف إلى تزويد حوالي 500,000 أسرة معرضة للمخاطر بتحويلات نقدية شهرية بمعدل 93 دولاراً أمريكياً لكل أسرة، بميزانية إجمالية تبلغ 556 مليون دولار أمريكي. وعلى الرغم من أن الحكومة أعربت عن تفاؤلها بأن المانحين قد يدعمون هذا البرنامج، فإنها لا تملك حتى الآن مصدراً مؤكداً للتمويل، على الرغم من أن أحد الحلول التي يجري النظر فيها هو تقليص نطاق مشروع النقل السريع بالحافلات، الذي تدعمه حالياً منحة قيمتها 295 مليون دولار، لتخصيص جزء من هذا المبلغ لبرنامج بطاقة الحصة الغذائية. وعلى أي حال، فقد عُلِّق إطلاق بطاقة الحصة الغذائية إلى أن يقر البرلمان التعديلات على القانون 219 (المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للإستجابة للأزمة وجائحة كوفيد-19 في لبنان) ويجري العمل الآن على اتفاق مع البنك الدولي بشأن طرائق استخدام القرض المقدم لدعم ﺷﺑﻛﺔ اﻷﻣﺎن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﻻت اﻟطوارئ.

ولا بد من معالجة تحديين رئيسيين. أولاً، يجب التسجيل لكل من ﺷﺑﻛﺔ اﻷﻣﺎن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺣﺎﻻت اﻟطوارئ وبطاقة الحصة الغذائية من خلال منصة Impact، التي استُخدمت أيضاً للتسجيل في البرنامج الحكومي لتقديم لقاح كوفيد-19. ويعدّ ذلك بالتأكيد تحسناً في البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، حيث تسمح المنصة بالتسجيل عبر الإنترنت، وينظم برنامج الأغذية العالمي زيارات منزلية. ومع ذلك، ستتعرض أسر كثيرة تعيش في فقر للإهمال ما لم تسمح قنوات أخرى غير رقمية بالتسجيل في البرامج: فمن غير الواقعي على الإطلاق التوقع من هذه الأسر أن تستخدم الأدوات الإلكترونية عندما لا تكاد تحصل على أكثر من ساعتين من الكهرباء يومياً ولا تتمكن عموماً من الوصول إلى الحاسوب.

ثانياً، إن برامج التحويلات النقدية الممولة من المانحين، بحكم تعريفها، ليست مستدامة. فهي ليست بديلاً عن إنشاء حد أدنى للحماية الاجتماعية تموَّل من تعبئة الموارد المحلية.

ولذلك ينبغي أن يكون اعتماد استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية أولوية قصوى لإنعاش البلد. ويفتقر لبنان إلى نظام للرعاية الاجتماعية، كما يفتقر إلى التأمين ضد البطالة، وبدلات إعالة الأطفال، ومعاشات الشيخوخة أو العجز، واستحقاقات المرض والأمومة أو الأبوة. وهو البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي لم ينشئ بعد نظام معاشات تقاعدية للعاملين في القطاع الخاص، وهو واحد من 16 بلداً فقط في جميع أنحاء العالم لا تقدم معاش العجز58.  وفي عام 2018، كان 34.3 في المائة من سكان لبنان غير محميين بأي نوع من تدابير الحماية الاجتماعية. وتبلغ نسبة غير المنتسبين إلى التأمين الاجتماعي 40.5 في المائة، وتفتقر نسبة 62.6 في المائة إلى التغطية سواء بالبرامج القائمة على الاشتراكات أو غير القائمة عليها، أو ببرامج المساعدة الإنسانية59.

وفي الواقع، تغطى برامج المساعدة الاجتماعية الرئيسية بدرجة كبيرة من خلال التمويل من المنظمات الدولية، التي غالباً ما يكون لديها رؤى متضاربة حول أولويات البرامج ومن ينبغي أن تغطي. ولن يكون للقدر الضئيل المتاح من الحماية الاجتماعية آثار تذكر على إعادة التوزيع: فوفقاً لمنظمة العمل الدولية، خفضت الحماية الاجتماعية بشكلها الحالي نسبة الذين يقل دخلهم عن خط التعرض للفقر بحوالي 8.5 نقطة مئوية فقط، والنسبة أقل للأسر الشديدة الفقر60. ومن بين أفقر 10 في المائة من السكان اللبنانيين، كان أكثر من 63 في المائة غير مشمولين بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية، مقارنة بنسبة 6.5 في المائة فقط لدى العشر الأغنى: وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق، لا سيما وأن أفقر الأسر هي أيضاً الأسر الأقل استفادة من التحويلات المالية التي يرسلها الأقارب المقيمون في الخارج61.

وينبغي تعبئة الموارد المحلية من أجل وضع حد أدنى للحماية الاجتماعية وتوسيع نطاق التغطية تدريجياً. وتوفير الحماية الاجتماعية الأساسية ميسور التكلفة. فيلزم 3,630 مليار ليرة لبنانية لإطلاق بدل متواضع لإعالة الأطفال، وبدل للعجز، ومعاش للشيخوخة. ويمثل ذلك 4.38 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي62 لعام 2018، أو 69 في المائة من الدعم المالي الحالي63.

ج) معالجة عدم المساواة واستعادة الحيز المالي

كان لبنان قد بدأ في وقت الزيارة محادثات على المستوى الفني مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على مذكرة إعلان نوايا وبدء مفاوضات رسمية لإنقاذ البلد. وفي آذار/مارس 2020، وفي وقت حكومة تصريف الأعمال التي ترأسها دياب، أُعدَّت خطة للتعافي المالي، ولكنها لم تحصل على موافقة مجلس النواب، ولم يكن هناك اتفاق بشأن تقديرات خسائر القطاع المصرفي منذ أن بدأت أزمة الصرف تؤثر على البلد في الفترة 2011-2012. وتشجّع المقرر الخاص لأخذه العلم من وزيرين ومن حاكم المصرف المركزي بأنه ثمة توافق ناشئ في الآراء بشأن الخسائر التي يتعين على حملة أسهم المصارف التجارية وأكبر المودعين تحملها بدلاً من صغار المودعين الذين لديهم حسابات ما بين 50,000 و70,000 دولار أمريكي. وهذا هو الحل العادل الوحيد، وهو فقط يرجح أن يجتذب الدعم من السكان.

غير أنّ الاعتماد على أموال المانحين لتأمين الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية في شكل تحويلات نقدية، كما هو الحال حالياً، لا يكفي لتلبية الاحتياجات الاجتماعية؛ وليس هو حلّاً مستداماً. بل لا بدّ من اعتماد ضرائب تصاعدية. فلبنان من البلدان التي تسجّل أعلى مستويات التفاوت في العالم، ويبلغ معامل جيني فيه 81.964، كما لا تزال إمكانية الحراك الاجتماعي فيه محدودة جداً65. وبلغ احتمال البقاء في شريحة 1 في المائة الأغنى للسنة التالية 75 في المائة في المتوسط بين عامي 2005 و201666. وبقي الدخل مركزاً للغاية بين عامي 2005 و2014: ففي المتوسط استأثر أغنى 10في المائة بنسبة 56 في المائة من مجموع الدخل القومي وأغنى 1 في المائة بنسبة 23 في المائة67. وفي الفترة نفسها، حصلت شريحة 50 في المائة في أدنى توزيع السكان على حوالي نصف ما حصل عليه أغنى 1 في المائة، وحصلت شريحة 40 في المائة في وسط التوزيع على ثلث الدخل القومي68. والتفاوت في الثروة صارخٌ أيضاً: إذ يملك أغنى 10 في المائة من اللبنانيين نحو 70 في المائة من مجموع ثروة الأفراد في حين يملك أغنى 1 في المائة نحو 45 في المائة69.

ومع ذلك، لا يزال النظام الضريبي تنازلياً إلى حد كبير. وحل لبنان في المرتبة 117 بين 158 دولة في العالم من حيث ركائز الضريبة التصاعدية70. والسبب الرئيسي أنّ جزءاً كبيراً من الإيرادات العامة (حوالي 40 في المائة) تتأتى عن الضرائب غير المباشرة (ضريبة القيمة المضافة أو الضريبة على الاستهلاك)، في حين أن للضرائب على دخل الأفراد والشركات دوراً أقل أهمية مقارنة مع بلدان أخرى. ولا تفرض في لبنان ضريبة على التركات، ولا ضريبة على الثروة. ولا يُحصَّل سوى 11 في المائة من الإيرادات الضريبية من خلال خطط تصاعدية، وحتى في هذه الحالة يفرض النظام القديم ضريبة على كل مصدر دخل على حدة، ما يحد من تصاعدية الضريبة.

د) تحديث الحد الأدنى للأجور

يبلغ الحد الأدنى للأجور حالياً 675,000 ليرة لبنانية في الشهر وهو مبلغ زهيد. ولم يشهد تعديلاً منذ عام 2017، ولا بد من زيادته في القريب العاجل. وتلاحظ ‎‎اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‏‏ أن الحد الأدنى للأجور “ينبغي أن يحدد بالرجوع إلى متطلبات العيش الكريم، وأن يطبّق على نحوٍ متسق”71، وتنص التوصية رقم 135 المتعلقة بالحد الأدنى للأجور على أنه ينبغي تصحيحه من وقت لآخر لمراعاة التغيرات في تكاليف المعيشة وغيرها من الظروف الاقتصادية. ولهذه الغاية، يمكن مراجعة معدلات الحد الأدنى للأجور في ظل كلفة المعيشة والظروف الاقتصادية الأخرى إما على فترات منتظمة أو كلما كانت هذه المراجعة مناسبة في ضوء التغيرات في مؤشر كلفة المعيشة72. وتوصي منظمة العمل الدولية بأن تكون نسبة 40 في المائة من متوسط الأجور مرجعاً يسترشد به73. وتعمد بلدان أخرى إلى ربط الحد الأدنى للأجور تلقائياً بأسعار الاستهلاك74.

ويرحب المقرر الخاص بتعهد وزير العمل بمعالجة هذه المسألة، في إطار اللجنة الثلاثية المعنية بالحد الأدنى للأجور.

ه) الحصول على الكهرباء

الحصول على الكهرباء هو التحدي الرئيسي الخامس. مع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية، تتكبّد شركة كهرباء لبنان تكاليف متزايدة وتعاني من تراجع الإيرادات. ونتيجة لذلك، لم تعد قادرة على الاستمرار في دفع أجور متعهدي الخدمات الخاصة لصيانة محطات توليد الطاقة أو لتوليد الطاقة مؤقتاً. ولا تغطي شركة كهرباء لبنان سوى 63 في المائة من الطلب على الكهرباء، بسبب ارتفاع خسائرها التقنية وغير التقنية (التي تصل إلى ثلث مجموع الطاقة المولدة)75. وكان الهدف من القانون 2002/462، الذي مرّ على صدوره عشرون عاماً، تنفيذ الإصلاحات اللازمة للقطاع، غير أن التأخير التشريعي والإداري المتواصل عطّل الإصلاحات المتوخاة.

ويتصّل جانبان من جوانب هذا الإصلاح بالفقر. ويتعلق الجانب الأول بتجزئة عمل شركة كهرباء لبنان. وقد أسهمت هذه العملية، التي بدأت في عام 2002، في تقسيم القطاع وفتحه أمام مشاركة القطاع الخاص، ما يؤدي إلى إمكانية خصخصته بالكامل. وما لم تعتمد لوائح تنظيمية مناسبة، قد يكون للخصخصة آثار ضارة ولا سيما على الشرائح المنخفضة الدخل: فكما لاحظت ‎‎اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‏‏، يتعين إخضاع مقدمي الخدمات من القطاع الخاص للوائح صارمة تفرض عليهم ما يسمى ب‍ “التزامات الخدمة العامة”، لكي لا تكون القدرة على الدفع شرطاً للحصول على الحقوق المنصوص عليها في ‎‎العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‏‏، بما في ذلك الحق في السكن الملائم76.

وبما أن شركة كهرباء لبنان تؤمن الكهرباء بأسعار منخفضة جداً (ومدعومة إلى حد كبير)، أعلنت الوزارة عن زيادة تعريفات الكهرباء. وسيكون لذلك آثار سلبية على التوزيع يقع عبؤها على الأسر ذات الدخل المنخفض، لأن أسعار الخدمات العامة هي نفسها لجميع فئات الدخل. واستفسر المقرر الخاص عن خطة الوزارة للتخفيف من أثر زيادة التعريفات على الأسر المنخفضة الدخل. وأتى الرد أنّ التعريفات الجديدة ستكون أقل من الكلفة الباهظة للمولدات الخاصة اليوم، وبالتالي لن تكون هناك حاجة إلى تدابير خاصة بالأسر المنخفضة الدخل. وليست هذه استجابة كافية في ظل المشقات الشديدة التي يواجهها السكان. فقد شاع استخدام المولدات الكهربائية في السنوات الأخيرة، لكن الأشخاص الذين يعانون من فقر مدقع غير موصولين بأي مولد كهربائي، ما يجرد هذه المقارنة من أي أثر على حياتهم. ومن الأهمية بمكان وضع استراتيجية واضحة لتدابير تحمي أصحاب الدخل المنخفض، أكانت في شكل تعريفات اجتماعية أم غير ذلك.

وثمة مسألة ثانية ذات الصلة هي إنشاء هيئة تنظيم الكهرباء. فقد أكد وزير الطاقة والمياه أنّه سيتم الحفاظ على هيئة تنظيم الكهرباء في القانون المعدل رقم 462، ولكن وفقاً للمعلومات المقدمة، لن يتم إنشاء هذه الهيئة إلا بعد إشراك القطاع الخاص، أي بعد عام كامل. غير أن من مهام الهيئة المستقلة لتنظيم الكهرباء تحديداً الإشراف على العقود والامتيازات للقطاع الخاص. ويجب أن يكون أعضاء الهيئة مستقلين (لا تضارب مصالح، واستقلالية عن السلطات السياسية بما في ذلك الوزارة نفسها، وميزانية متوقعة)، وخاضعين للمساءلة، وشفافين77. وعلى الوزارة أن تعطي الأولوية لإنشاء هيئة تنظيم الكهرباء.

4- خلاصة وتوصيات

يعرب المقرر الخاص عن امتنانه مجدداً لحكومة لبنان على تسهيل زيارته إلى البلد. وهو يتقدّم بالتوصيات الأولية التالية:

حماية الفئات الأكثر عرضة للمخاطر

1- ينبغي السماح للأفراد عديمي الجنسية في لبنان بالتسجيل وتسجيل أطفالهم، لضمان حصولهم على التعليم والعمل النظامي. وينبغي تعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1951 لتسهيل التسجيل، حتى بعد السنة الأولى بعد الولادة.

2- ينبغي تيسير حصول اللاجئين السوريين والفلسطينيين على فرص عمل، للحد من اعتماد اللاجئين على المساعدات الإنسانية؛ والحد من خطر انخراط اللاجئين في العمل غير النظامي (وبالتالي التنافس على أسس غير عادلة مع العمال اللبنانيين)؛ وتأمين العمال للقطاعات المتأثرة بهجرة المواطنين اللبنانيين، ولا سيما مهنة الطب؛ وتسهيل اكتساب المهارات وبالتالي عودة اللاجئين، بمجرد أن تسمح الظروف بعودتهم.

3- ينبغي إلغاء نظام الكفالة لعاملات المنازل المهاجرات، واعتماد العقد الموحد المنقح من دون مزيد من التأخير لحمايتهن من سوء المعاملة.

4- ينبغي تحسين فرص حصول المرأة على العمل، والحد من تفاوت الأجور بين الجنسين.

5- تحضيراً لانضمام لبنان إلى اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ينبغي تقييم قوانين البلد وسياساته لضمان توافقها مع أحكام الاتفاقية، والانتقال من النموذج الطبي للإعاقة، الذي لا يزال يستند إليه القانون 2000/220، إلى نموذج اجتماعي للإعاقة، واعتماد إطار قوي لمكافحة التمييز.

استعادة الثقة

6- ينبغي تعزيز التفتيش المركزي، بما في ذلك التمويل المتعدد السنوات المتوقع والوصول من دون قيود إلى جميع الإدارات العامة، وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد للفترة 2020-2025 تنفيذاً فعالاً.

7- لضمان حصول لبنان على الدعم اللازم من صندوق النقد الدولي، ينبغي أن يقدم خطة موثوقة للتعافي المالي، تستند إلى “تعويض” الخسائر التي تكبدها النظام المصرفي، بحيث يتحمل هذه الخسائر مساهمو البنوك وأكبر المودعين.

8- في إطار توسيع نطاق البرنامج الوطني لاستهداف الفقر، وشبكة الأمان الاجتماعي في حالات الطوارئ، والبطاقة التموينية، ينبغي التركيز على شمول جميع الأسر ذات الدخل المنخفض، من خلال وضع ضمانات فلا يؤدي الاستهداف إلى إقصاء شرائح محددة ولا يتم التلاعب به لأغراض سياسية، ولا يؤدي اعتماد التطبيقات عبر الإنترنت إلى إقصاء غير القادرين على الوصول إلى الإنترنت أو غير الملمين بالتكنولوجيا الرقمية.

9- ينبغي اعتماد استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية، تؤدي تدريجياً إلى وضع حد أدنى للحماية الاجتماعية، يموّل عنصر المساعدة الاجتماعية فيها من خلال نظام ضريبي تصاعدي، يشمل ضريبة على الثروة.

10- ينبغي رفع الحد الأدنى القانوني للأجور إلى مستويات تتوافق مع كلفة المعيشة، مع الأخذ في الاعتبار الانخفاض الكبير في القوة الشرائية لليرة اللبنانية منذ عام 2017.

11- في إصلاح قطاع الكهرباء، ينبغي النظر في خطط لتحديد التعريفات، لضمان ألا تؤثر زيادة التعريفات وعملية الخصخصة على نحو غير متناسب على أصحاب الدخل المنخفض.

1 OCHA, Emergency Response Plan – Lebanon, August 2021, p. 6.

2 World Bank, Lebanon Economic Monitor. Lebanon Sinking (To the Top 3), Spring 2021, p. xi.

3 المرجع نفسه، ص. 13.

4 في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، حُدِّد سعر 20 لتراً من بنزين 95 أوكتان بمبلغ 304,000 ليرة لبنانية وبنزين 98 أوكتان بمبلغ 313,400 ليرة لبنانية. والحد الأدنى الرسمي للأجور الشهرية هو 675,000 ليرة لبنانية.

5Lebanon: Children’s future on the line, UNICEF, June 2021, p. 7

6 https://files.institutesi.org/UPR37_Lebanon.pdf, para 14

7 وفي إطار برنامج المساعدة النقدية المتعدد الأغراض، تقدم المفوضية لنحو 170,000 أسرة معرضة للمخاطر 800,000 ليرة لبنانية كدعم نقدي (وقد زادت هذا المبلغ من 400,000 ليرة لبنانية مع تراجع قيمة الليرة). وبالإضافة إلى ذلك، تتلقى هذه الأسر من برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية شهرية بقيمة 300,000 ليرة لبنانية للشخص الواحد، من خلال بطاقة مشتركة يمكن استخدامها في متاجر منتشرة في جميع أنحاء البلد.

8 UNHCR, UNICEF and WFP, Preliminary Results of the Vulnerability Assessment of Syrian Refugees, September 2021, available at: https://data2.unhcr.org/en/documents/details/88960

9 UNHCR, UNICEF and WFP, Preliminary Results of the Vulnerability Assessment of Syrian Refugees, September 2021, available at: https://data2.unhcr.org/en/documents/details/88960

10 المرجع نفسه.

11 ووفقاً لبيانات منظمة VaSyR، ما لا يقل عن 27,825 طفلاً لاجئاً سورياً منخرط حالياً في أشكال مختلفة من عمل الأطفال.

12 Ala’ Alrababa’h et al, Returning Home? Conditions in Syria, Not Lebanon, Drive the Return Intentions of Syrian Refugees, September 2020.

13 المرجع نفسه.

14 وزارة الشؤون الاجتماعية والأمم المتحدة. خطة لبنان للاستجابة للأزمة، 2017-2021.

15International Organization for Migration, Migrant Presence Monitoring, Baseline Assessment – Round 1,
5 August 2021

16 World Economic Forum, Global Gender Gap Report, 2021, p. 25.

17 المرجع نفسه، ص. 26.

18 المرجع نفسه، ص. 251.

19 Dana Abed et al., Inequality in Lebanon: questioning labor, social spending, and taxation, p.2.

20 Human Rights Watch, Unequal and Unprotected, p.6.

21 ILO Vulnerability and Social Protection Gaps Assessment – Lebanon, p.12.

22 OCHA, Lebanon Emergency Response Plan 2021 – 2022, p.13

23 المرجع نفسه.

24لبنان: مستقبل الأطفال على المحكّ، اليونيسف، حزيران/يونيو 2021، ص. 2 و9.

25 Oxfam, Poverty, Inequality and Social Protection in Lebanon, Jan. 2016, p. 14.

26 المرجع نفسه، ص. 2.

27 المرجع نفسه.

28 لبنان: مستقبل الأطفال على المحكّ، اليونيسف، حزيران/يونيو 2021، ص. 3.

29 Oxfam, Poverty, Inequality and Social Protection in Lebanon, Jan. 2016, p. 14.

30 المرجع نفسه.

31 Marian Abouzeid et al., A Generation at Risk: The Impacts of Lebanon’s Escalating Humanitarian Crisis on Children,  Front. Public Health, Aug. 16, 2021.

32 المرجع نفسه.

33 اليونيسف، لبنان: مستقبل الأطفال على المحك، حزيران/يونيو 2021، ص. 2، https://www.unicef.org/lebanon/media/7236/file/Lebanon%20Children’s%20Future%20on%20The%20Line%20AR%20.pdf

34 المرجع نفسه، ص. 1.

35 Oxfam, Poverty, Inequality and Social Protection in Lebanon, Jan. 2016, p. 14.

36 اليونيسف، لبنان: مستقبل الأطفال على المحك، حزيران/يونيو 2021، ص. 7.

37 المرجع نفسه، ص. 4. كاثرين شير، زيادة زواج القاصرات في لبنان خلال الجائحة، DW، 15 أيار/مايو 2021،

38 كاثرين شير، زيادة زواج القاصرات في لبنان خلال الجائحة، DW، 15 أيار/مايو 2021

39 2020 UPR Submission_Socio Economic_July 2020_F.pdf para 30

40 Emilie Combaz, Situation of persons with disabilities in Lebanon, K4D, July 15, 2018, p. 19;
https://promocionsocial.org/wp-content/uploads/2020/06/FPS-Disability-Health-Situational-Analysis-Report.pdf
p.107.

41 المرجع نفسه،

42 المرجع نفسه، ص. 18.

43 المرجع نفسه.

44 المرجع نفسه.

45 المرجع نفسه، ص. 15.

46 المرجع نفسه، ص. 19.

47 ILO, Towards a Social Protection Floor for Lebanon, 2021, p.12.

48 UN in Lebanon, Social Protection in Lebanon, Nov. 2020, p. 5.

49 Nisreen Salti and Jad Chabaan, The Role of Sectarianism in the Allocation of Public Expenditure, International Journal of Middle East Studies, Nov. 2010.

50 Sami Atallah et al., Public Resource Allocation in Lebanon: How Uncompetitive is CDR’s Procurement Process?, p.2.

51 المرجع نفسه، ص. 3.

52 Jad Chaaban, Mapping connections between Lebanon’s banking sector and the ruling class, 2016, p.3.

53 Jad Chaaban, Mapping connections between Lebanon’s banking sector and the ruling class, 2016, p.4.

54 منظمة الشفافية الدولية، مؤشر مدركات الفساد.

55 World Bank, Getting the Full Picture on Public Officials: A How-To Guide for Effective Financial Disclosure, 2017.

56 منذ أيلول/سبتمبر 2021، تقدَّم هذه المساعدة النقدية بالدولار الأمريكي.

57 Federica Bastagli et al., Social protection in Lebanon: a review of social assistance, p.63.

58 Social protection for older populations (Dec 2020), p.3

59 ILO Vulnerability and Social Protection Gaps Assessment – Lebanon, p.6

60 المرجع نفسه، ص. 12.

61 المرجع نفسه، ص. 10.

62 ILO, Towards a Social Protection Floor for Lebanon, 2021, p. 28

63 المرجع نفسه، ص. 32.

64 الإسكوا، أثر جائحة كوفيد-19 على توزيع الثروة والفقر في لبنان، 17 تموز 2020.

65 Lydia Assouad, Lebanon’s Political Economy: From Predatory to Self-Devouring, Carnegie Middle East Center, Jan. 14, 2021

66 Lydia Assouad, Rethinking the Lebanese Economic Miracle: The Extreme Concentration of Income and Wealth in Lebanon, 2005-2014, World Inequality Lab, p. 12

67 المرجع نفسه.

68 المرجع نفسه.

69 المرجع نفسه. pp. 14-15.

70 Dana Abed et al., Inequality in Lebanon: questioning labor, social spending, and taxation, p.3

71E/C.12/GC/23، الفقرة 21.

72 توصية منظمة العمل الدولية بشأن تحديد المستويات الدنيا للأجور رقم 135، المادتان 11-12.

73 ILO, Social justice and growth: The role of the minimum wage, 2012, p. 121.

74 ILO, Minimum wage policy guide, chapter 5, p.5.

75 Ali Ahmad et al., From dysfunctional to functional corruption: The politics of reform in Lebanon’s electricity sector, p.4.

76 يتضمن الحق في السكن الملائم إمكانية الحصول على مياه الشرب النظيفة، والطاقة لأغراض الطهي والتدفئة والإضاءة، ومرافق الإصحاح والغسل (التعليق العام 4، الحق في السكن الملائم (1991)،E/1992/23، الفقرة 8، (ب) و (و)).

77 Ali Ahmad et al., Lebanon’s Independent Electricity Regulator: Avoiding the ‘Political Economy Trap’, LCPS, July 2021

NHRCLB
NHRCLBhttps://nhrclb.org
تعمل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في لبنان وفق المعايير الواردة في الدستور اللّبناني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والقوانين اللّبنانية المتفقة مع هذه المعايير. وهي مؤسسة وطنية مستقلة منشأة بموجب القانون 62/ 2016، سنداً لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة (مبادئ باريس) التي ترعى آليات إنشاء وعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. كما تتضمن آلية وقائية وطنية للتعذيب (لجنة الوقاية من التعذيب) عملاً بأحكام البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية او اللاانسانية او المهينة الذي انضم اليه لبنان بموجب القانون رقم 12/ 2008.