(الإنجليزية) This article is also available in: English
رقم التقرير: CPT/Report/8/10
تقرير اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب في لبنان إلى لجنة الأمم المتحدة الفرعية للوقاية من التعذيب
الموضوع: أحكام البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
موجز
تُعرِب اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب عن قلقها الشديد إزاء استمرار ارتكاب جرائم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في العديد مرافق حجز الحرية في لبنان، والتي يفترض إغلاق العديد منها لا سيما ما يعرف بنظارة “تحت الجسر” الملحقة بنظارة قصر العدل في بيروت. يعد هذا التقرير الأول من نوعه، تنشره هيئة رسمية مستقلة معينة بموجب قانون يمنح اعضائها ولاية شبه قضائية وحصانة بالاستناد إلى قسم يمين يؤدونه أمام رئيس الجمهورية، أعلنت اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب أنه تنفيذًا لولايتها كآلية وقائية وطنية مستقلة في لبنان، زارت عدة أماكن حرمان من الحرية بينها 5 زيارات إلى السجون ومراكز الاحتجاز المدنية والعسكرية، كما زارت أيضًا مكانين آخرين يُحرم فيهما الأشخاص من حريتهم أو قد يُحرمون منها، وأجرت مقابلات فيهما. وتكمن أهمية هذا التقرير الذي سلم إلى لجنة الأمم المتحدة الفرعية لمنع التعذيب أثناء زيارتها للبنان، انه ينشر علنياً، في حين تصر الحكومات اللبنانية المتعاقبة على أن تبقي تقارير لجنة الأمم المتحدة الفرعية لمنع التعذيب سرية، وهو أمر يحق للدولة القيام به وفق الاتفاقيات الدولية لكن اطرافاً عدة بما فيها لجنة الأمم المتحدة تشجع السلطات على نشر تقاريرها خصوصاً انها تدعي ان ليس لديها ما تخفيه.
أولا: ملاحظات أولية
تقدم اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب المنضوية ضمن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان، تنفيذًا لولايتها كآلية وقائية وطنية مستقلة في لبنان، هذه المساهمة إلى لجنة الأمم المتحدة الفرعية للوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بالتزامن مع زيارتها المرتقبة إلى لبنان.
لا تقدم هذه المساهمة بمفردها صورة شاملة عن الوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في لبنان. وبدلًا من ذلك، فإنها تركز على المجالات التي تعتبرها اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب أنها تتّسم بأهمية خاصة. بالإضافة إلى التقرير الوصفي، تشمل هذه المساهمة ملخصًا للتوصيات الصادرة عن لجنة الوقاية من التعذيب في ما يتعلق بمحتوى التقرير (الملحق 1).
ثانياً: المجالات ذات الأولوية
في هذا التقرير المقدم إلى لجنة الأمم المتحدة الفرعية للوقاية من التعذيب، اختارت اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب أربعة مجالات تحظى بأولوية ذات صلة خاصة بالوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في لبنان.
يغطي هذا التقرير القضايا المواضيعية التالية:
تمكين الآلية الوقائية الوطنية في لبنان
الأنشطة التطوعية لأعضاء الآلية الوقائية الوطنية وخبرائها في لبنان
المساءلة عن تنفيذ قانون “معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” في لبنان
التعديلات المقترحة على القانون رقم 65 بشأن “معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”
ثالثاً: تمكين الآلية الوقائية الوطنية في لبنان
خلال استعراضات عدّة نُشرت في إطار الاستعراض الدوري الشامل وغيره من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، أخذ لبنان في الاعتبار عددًا من التوصيات الرامية إلى الإسراع في إنشاء الهيئة الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان ولجنة وطنية دائمة للوقاية من التعذيب، وفقًا للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب. وتم إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، المكونة من 10 أعضاء، بموجب القانون رقم 62 بتاريخ 27 تشرين الأول/أكتوبر 2016، وأُصدر مرسومها الرئاسي رقم 3267 في 19 حزيران/يونيو 2018. ومع ذلك، انتهكت الحكومة البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب ولم تقم بتسمية أعضاء الآلية الوقائية الوطنية بموجب المرسوم رقم 3267، ما أدى إلى تأخير تشكيلها لمدة عام واحد. وبعد جهود متواصلة في هذا الصدد، عُيّن خمسة أعضاء من الهيئة للعمل كأعضاء في لجنة الوقاية من التعذيب بموجب المرسوم الرئاسي رقم 5147 بتاريخ 5 تموز/يوليو 2019. ومع ذلك، لم ينضم أحد الأعضاء إلى الأعمال التطوعية التي قرر أعضاء لجنة الوقاية من التعذيب القيام بها واستقال لاحقًا. وقامت عضوة أخرى بالآلية الوقائية الوطنية بتعليق عضويتها؛ ما أدى إلى بقاء ثلاثة أعضاء نشطين فقط في الآلية الوقائية الوطنية يشاركون في تنظيم الأنشطة التطوعية.
وفقًا لأحكام المادة 5 من القانون رقم 62/2016، أقسم أعضاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بتاريخ 16 تموز/يوليو 2019 وبتاريخ 14 آب/أغسطس 2019 اليمين أمام رئيس الجمهورية. ووفقًا لأحكام المادة 6 وعملًا بأحكام الباب الثالث من القانون رقم 62/2016، (المواد من 15 لغاية المادة 20 ضمنًا)، انتُخبت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب رئيس مكتب الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وأعضائه وعيّنت مفوّضين في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
وفقًا لأحكام المادة 7 من القانون رقم 62/2016، قدّمت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب النظام الداخلي والنظام المالي اللذين يتضمنان القواعد واللوائح التفصيلية التي تنظم آلية عمل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب إلى الحكومة اللبنانية في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2019. ولا يزال مشروع المرسوم معروضاً على مجلس الوزراء للموافقة عليه. والجدير بالذكر أنّه كان من المفترض أن يصادق مجلس الوزراء اللبناني على النظام الداخلي والنظام المالي في 24 كانون الثاني/يناير 2022، ولكن للأسف، علقت وزارة المالية ووزارة العدل هذا التصديق زاعمتيْن أن لديهما تعليقات إضافية على النصوص مع العلم أن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب سبق أن عرضت مسودة النظام الداخلي على مجلس شورى الدولة اللبناني. وحينها، أخذت الهيئة توصيات وتعليقات مجلس شورى الدولة في الاعتبار باستثناء اعتراضه على المادة 17 من النظام الداخلي التي تنص على إنشاء لجنة دائمة تعنى بالقانون الدولي الإنساني. وتعمل هذه اللجنة على ضمان احترام جميع اتفاقيات وبروتوكولات القانون الدولي الإنساني ذات الصلة والقواعد العرفية التي يكون لبنان طرفًا فيها، سواء أكان ذلك بالتصديق أو الانضمام. ويرى مجلس الشورى أن هذه اللجنة تتعارض مع لجنة وزارية غير فعالة أنشئت قبل سنوات. واعتبرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب هذا الاعتراض انتهاكًا للقانون رقم 62/2016 الذي تُمنح الهيئة بموجبه تفويضًا كاملًا بشأن مراقبة القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات وبعدها، ناهيك عن تدخّل وزارتي المالية والعدل في محتوى النظام الداخلي الذي يُعتبر أيضًا انتهاكًا للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب واستقلالية الآلية الوقائية الوطنية في لبنان.
وفقًا لأحكام المادة 28 من القانون رقم 62/2016، قدّمت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب مشاريع عدة لميزانيات سنوية للأعوام 2019، و2020، و2021، إلى وزير المالية وفقًا للقانون اللبناني الصادر بمرسوم رقم 14969/1963 بشأن المحاسبة العامة. وتشمل الميزانية العامة المقترحة لعام 2022 التي تُناقش حاليًا في البرلمان 7.6 مليار ليرة لبنانية للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب. ومع ذلك، حتى إذا وافق البرلمان على الميزانية المقترحة، فلن تتمكن الهيئة من الاستفادة من الأموال المخصّصة إلا إذا وافق مجلس الوزراء على المراسيم التنظيمية للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب.
فشلت الحكومة اللبنانية في اتخاذ إجراءات جادة وسريعة وفعالة تسمح للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب بالبدء في العمل مع عدد كاف من الموظفين والموارد المالية. وفي غضون ذلك، بدأ الأعضاء المعيّنون في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب بالعمل على أساس طوعي بما في ذلك تلقي الشكاوى، والمراقبة، وزيارة السجون، بينما هم لا يزالون يشاركون في وظائف أخرى لتأمين سبل عيشهم. ووفقًا لأحكام المادة 4 من القانون رقم 62/2016، يتفرّغ أعضاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب لعملهم في الهيئة ويُحظر عليهم ممارسة أي عمل آخر خلال توليهم مهامهم. ووفقًا لأحكام المادة 30 من القانون رقم 62/2016، يتقاضى رئيس ونائب رئيس وأعضاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب تعويضًا شهريًا مقطوعًا يُحدّد بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل. ولسوء الحظ، لا يزال مشروع المرسوم تاريخ 17 آذار/مارس 2017 الذي ينظّم هذا التعويض معلقًا حتى يوافق عليه مجلس الوزراء. وفي هذا الصدد، اقترحت وزارة العدل تعديلات عدة على هذا المرسوم من دون استشارة أعضاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب ومع عدم مراعاة الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى معدل تضخم بلغ 24.96 في المائة من العام 2008 حتى العام 2022، ووصل إلى ارتفاع غير مسبوق بلغ 239.69 في المائة في كانون الثاني/يناير 2022 علمًا أنّ أدنى مستوى قياسي بلغ 4.67 في المائة في أيلول/سبتمبر 2015. ووفقًا للنسخة الأخيرة من هذا المرسوم، يُخصَّص مبلغ يقدر بحوالي 6 ملايين ليرة لبنانية (أي ما يوازي 222 دولارًا أمريكيًا) شهريًا لأعضاء الآلية الوقائية الوطنية. ولسوء الحظ، لا يزال مشروع المرسوم هذا معلقًا على أن يصادق عليه من جديد وزير العدل ووزير المالية قبل إرساله إلى مجلس شورى الدولة اللبناني ومن ثم رفعه إلى مجلس الوزراء للمصادقة عليه. وتعتبر الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب أن فشل أربعة وزراء عدل في تنفيذ المادة 30 من القانون رقم 62/2016 هو مؤشر واضح على أنّ الحكومة اللبنانية أخفقت في اتخاذ إجراءات جادة وسريعة وفعالة تسمح للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب بالبدء في العمل مع عدد كاف من الموظفين والموارد المالية.
وفقًا لأحكام المادة 30 من قانون موازنة 2020 التي نُشرت في الجريدة الرسمية في 5 آذار/مارس 2020، أقر مجلس النواب اللبناني تعديلات على المادة 28 من القانون رقم 62/2016، التي تنص على تخصيص فصل للهيئة ضمن باب رئاسة مجلس الوزراء في الموازنة العامة. على الرغم من أن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب لم تتقدم بعد بطلب اعتماد للانضمام إلى التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، إلا أنها تعتبر أن تعديل المادة 28 يتعارض مع المعايير الدولية التي تحكم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. تنص الملاحظة العامة 1.10 للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على ما يلي: “يتعيّن أن يُخصص التمويل الحكومي في شكل بند منفصل في الميزانية خاص بالمؤسسة الوطنية فقط. ويجب إطلاق هذا التمويل بانتظام وبطريقة لا تؤثر سلبًا على وظائفها، وعملياتها الإدارية اليومية، واستبقاء موظفيها”. وبعد عام ونصف من الضغط، اعتمد مجلس النواب في 7 آذار/مارس 2022 القانون رقم 273 المعدل للمادتين 28 و30 من القانون رقم 62/2016. وينص القانون الجديد على أن يكون للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب ميزانية سنوية منصوص عليها في فصل خاص من الموازنة العامة، تحت باب خاص للهيئات الوطنية المستقلة، وتكون كافية لتغطية تكاليف الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان وأنشطتها. ومع ذلك، حذفت الفقرة (ج) من المادة 28 بالكامل، وقد كانت تنص على أن ميزانية لجنة الوقاية من التعذيب يجب أن تُدرج كبند منفصل ضمن موازنة الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، بحيث تغطي جميع نفقاتها. وهي تشكل ما لا يقل عن ربع ميزانية الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان. كما عدل القانون رقم 273 المادة 30 من القانون رقم 62/2016. وبناءً على ذلك، أضيفت فقرة جديدة (ب)، وهي تنص على أن ولاية الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، تبدأ بعد صدور كل المراسيم الناظمة للهيئة. تعتبر الهيئة أنّ التعديلات التي أقرت ليست كافية، وقررت اقتراح تقديم تعديل جديد للقانون رقم 62/2016 مع الإشارة إلى أن القانون رقم 273 يعدّ إنجازًا كبيرًا من حيث التصدي للجهود التي تبذلها وزارة المالية في سبيل تهديد استقلالية الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، والتي تسفر عن انتهاك لمبادئ باريس والتزامات البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب.
منذ حزيران/يونيو 2018، تمارس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب ضغوطًا لتمرير مرسوم يسمح لها باستخدام مبنى عام شغلته وزارة الزراعة في منتصف التسعينيات وكان قد أخلي منذ أكثر من عقدين. يقع هذا المبنى في الشياح ويتكون من 12 طابقًا. لكن وزارة الزراعة ترفض التخلي عن المبنى مدعية أنها لا تزال تنوي استخدامه. وتحاول الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب إقناع مجلس الوزراء بتبني مرسوم يمنح جميع الهيئات واللجان المستقلة إمكانية الوصول إلى هذا المبنى واستخدامه في أقرب وقت ممكن. وسيؤدي ذلك إلى تقليل الإنفاق العام على رسوم الإيجار للهيئات الوطنية المستقلة التي تكافح لبدء تنفيذ مهامها. وخلال فترة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، عرض مكتب رئيس الوزراء على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عدة مبانٍ عامة يمكن استخدامها في محاولة لإقناع المجتمع الدولي بأن الحكومة مستعدة لمكافحة الفساد، في حين تغاضى مكتب رئيس الوزراء عن مسائل تتعلق بالتعذيب وتجاهل جميع الحوادث والشكاوى ضد الأجهزة الأمنية التي تتبنى أساليب التعذيب المنهجي أثناء الاستجواب. وتشير الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب إلى أن لبنان ينتهك المادة 17 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب الذي تم التصديق عليه في 22 كانون الأول/ديسمبر 2008. وبما أنّ لبنان لا يمكنه الاستفادة من المادة 24 من البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، لا يمكنه طلب وقت إضافي للنظر في أفضل السبل لتنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
رابعاً: الأنشطة التطوعية لأعضاء الآلية الوقائية الوطنية وخبرائها في لبنان
بذل لبنان جهودًا مشهودة من أجل إنشاء أطر معيارية ومؤسسية وطنية للوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وتنفيذها عمليًا. ومع ذلك، لا يزال التعذيب وسوء المعاملة يُمارسان حتى اليوم مع إفلات شبه كامل من العقاب، ولا يحصل ضحايا مثل هذه الانتهاكات أو أقاربهم على رد الحق، والجبر، وإعادة التأهيل التي يستحقونها بموجب القانون الوطني والدولي. ويجب على السلطات اللبنانية تحسين نظام السجون القائم بما في ذلك الظروف المعيشية للسجناء بالإضافة إلى إيلاء اهتمام خاص لإعداد برامج إعادة التأهيل والإدماج الاجتماعي، وتوفير التدريب المناسب لمسؤولي مراكز الاحتجاز.
تقوم اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب، تنفيذًا لولايتها كآلية وقائية وطنية مستقلة في لبنان، بأنشطة تطوعية بانتظام، تشمل القيام بزيارات إلى مراكز الاحتجاز، علمًا أنها بحاجة ماسة إلى الدعم. ولم تقتصر اللجنة على اعتماد منهجية تفاعلية وتصحيحية فحسب، بل استباقية وإصلاحية أيضًا. ومنذ إنشائها في تموز/يوليو 2019، أجرت اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب 5 زيارات إلى السجون ومراكز الاحتجاز المدنية والعسكرية، وزارت أيضًا مكانين آخرين يُحرم فيهما الأشخاص من حريتهم أو قد يُحرمون منها، وأجرت مقابلات فيهما.
في 15 أيار/مايو 2020، تلقت اللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب ادعاءات بوجود حالات سوء معاملة في مأوى مؤقت أنشأته السفارة الفلبينية في لبنان لتأمين سلامة العاملات الفلبينيات اللاتي تركن أماكن العمل خلال جائحة كورونا. وأُجريت زيارة في اليوم نفسه للتحقيق في الوضع في المأوى مع مراعاة القيود المفروضة على إمكانية الوصول في ضوء أحكام القانون الدولي ذات الصلة، ولا سيما تلك الواردة في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 (المبرمة في فيينا في 18 نيسان/أبريل 1961) واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 (المبرمة في فيينا في 24 نيسان/أبريل 1963). وخلال الزيارة، تحدث خبير لجنة الوقاية من التعذيب مع أحد الدبلوماسيين واستمع إلى شهادة أحد الضحايا. ونظرًا لارتفاع خطر انتقال العدوى في المرافق الاحتجازية وفي أماكن الاحتجاز الأخرى، حثت اللجنة السفارة على القيام بالخطوات التالية:
(أ) إجراء تقييمات عاجلة لتحديد الأفراد الأكثر عرضة للخطر داخل المأوى، مع مراعاة أولئك الذين يعانون حالة صحية والنساء الحوامل.
(ب) معالجة تجاوز قدرة للمأوى على أساس حساب المتر المربع للشخص الواحد ما يسمح بالتباعد الاجتماعي على النحو الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية؛
(ج) ضمان قدرة النساء في المأوى على إرسال شكوى إلى لجنة الوقاية من التعذيب وفق آليّة واضحة ووظيفية وفعالة؛
(د) التقيد بالحد الأدنى من متطلبات التمارين اليومية في الهواء الطلق، مع مراعاة تدابير السلامة اللازمة؛
(هـ) ضمان إبقاء التدابير الوقائية الأساسية لمكافحة إساءة المعاملة متاحة وقابلة للتنفيذ، بما في ذلك الحق في الحصول على الرعاية الطبية والمساعدة القانونية والحق في ضمان إخطار الأطراف الثالثة بالوضع الراهن في المأوى، على الرغم من القيود المفروضة على ذلك؛
(و) توفير الدعم النفسي المناسب لجميع النساء والموظفين المتأثرين بهذه التدابير التقييدية؛
وأكدت السفارة أنها ستأخذ جميع هذه التوصيات في الاعتبار وستتّخذ إجراءات سريعة وتصحيحية. وتمكنت السفارة في وقت لاحق من إعادة العاملات الفلبينيات بأمان إلى وطنهم.
في 26 مايو/أيار 2020، قامت لجنة الوقاية من التعذيب بزيارة مقر شركة رامكو، وهي شركة إنشاءات وإدارة نفايات لبنانية حيث كان يعيش العمّال الأجانب في بيئة صحية سيئة. وجرت هذه الزيارة بالتعاون مع حركة مناهضة العنصرية، وهي حركة شعبية أنشأها شباب ناشطون في لبنان بالتعاون مع قادة مجتمع المهاجرين. وفي أوائل شهر نيسان/أبريل 2020، اتخذ حوالى 400 موظف في رامكو، معظمهم من بنغلاديش والهند، قرارًا غير مسبوق بالإضراب عن العمل إلى حين دفع كل مستحقاتها المتأخرة. وخلال هذه الزيارة، أوضح هؤلاء الموظفون إلى لجنة الوقاية من التعذيب أنّ الشركة باتت تدفع لهم رواتبهم منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2019 بالليرة اللبنانية وفقًا لسعر الصرف الرسمي غير المعترف به بعد الآن، أي 1500 ليرة للدولار الواحد، على الرغم من أنّ عقود عمل العمّال الأجانب في رامكو هي بالدولار الأمريكي. وقد دعا العمال الأجانب إلى تنفيذ إضراب في 2 نيسان/أبريل، وحين قام العمال بقطع الطرقات خارج مباني الشركة في 12 أيار/مايو وبمنع شاحنات النفايات من مغادرتها، استُدعيت عناصر شرطة مكافحة الشغب للتدخل. وأظهرت مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي أنّ شرطة مكافحة الشغب قد أطلقت الغاز المسيّل للدموع ضد العمّال وقامت بضربهم، في حين تبيّن أنّ عددًا قليلًا من العمال قام بإلحاق ضرر ببعض ممتلكات الشركة. وألقى هؤلاء العمال الضوء على مسألة مهمة ألا وهي التمييز الذي يعانون منه بسبب نظام الكفالة الذي يجعلهم عرضةً لسوء المعاملة والاستغلال، نظرًا إلى أنّ تأشيراتهم معلّقة بشكل مباشر بأرباب عملهم، أي أنّهم لا يستطيعون ترك وظيفتهم أو تغييرها من دون موافقة رب عملهم. بالإضافة إلى ذلك، لاحظت لجنة الوقاية من التعذيب أنّ الشركة لا تؤمن بيئة عمل ملائمة ومرنة، إذ لا يُسمح للعمال الخروج من المبنى سوى بإذنٍ من المسؤول عنهم وذلك مرة واحدة في الأسبوع ولمدة لا تزيد عن 4 ساعات.
وجاءت استنتاجات الزيارة على النحو التالي:
(أ) أبلغت لجنة الوقاية من التعذيب عن انتهاكات ضد عمال رامكو، بما في ذلك عدم دفع رواتبهم أو التأخر في دفعها، واحتجازهم بشكل قسري، وعدم منحهم إجازة من العمل، وممارسة الإساءة اللفظية والجسدية ضدهم. ولاحظنا أيضًا وجود آثار جروح على أذرع العمال وأيديهم، كما أظهرت صور الفيديو التي حللتها اللجنة رجلًا مصابًا بكدمات شديدة في وجهه.
(ب) جرى القبض على موظف خلال وقوع الحادث وهو لا يزال محتجزًا، وبحسب التقارير التي وردت إلى لجنة الوقاية من التعذيب، نُقل هذا الشخص إلى مستشفى عين وزين بسبب حالته النفسية. لقد سلّط العمال الذين جرت مقابلتهم خلال الزيارة الضوء على سوء المعاملة التي تعرضوا لها، فقد اعتُقل العامل البنغلاديشي عناية الله الذي يعاني مرضًا عقليًا، تحت الأرض لمدة 3 أيام بدلًا من تلقي الرعاية الصحية اللازمة أثناء الإضراب. وخلال فترة حبسه، تعرض عناية الله للتعذيب النفسي والجسدي، ما أدى إلى تفاقم مشكلته العقلية.
(ج) دعت لجنة الوقاية من التعذيب الأشخاص المعنيّين في شركة رامكو إلى الكف فورًا عن ممارسة الأعمال غير الإنسانية ضد الموظفين في العمل، بما في ذلك منعهم من الحصول على إجازة من العمل واكتظاظ مرافق النوم، إلخ. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الشركة أن تؤمن خدمات الرعاية الصحية المناسبة لجميع العمال، بما في ذلك خدمات الصحة النفسية، نظرًا إلى أن العمال يُجبرون على العمل في بيئة غير صحية وعالية الخطورة. من الضروري أيضًا تحسين الظروف المعيشية وظروف العمل في ظل جائحة كوفيد-19، ومعالجة التخفيضات غير التعاقدية للرواتب، والانتهاكات المذكورة سابقًا التي مارستها شركة رامكو، والتي يجب اعتبارها منافية لحقوق الإنسان الدولية وقوانين العمل، وبروتوكولات الصحة العامة الأخيرة.
(د) اعتقلت ورحّلت السلطات اللبنانية مهاجرين ناشطين في تنظيم حقوق العمال المهاجرين، وتنتهك مثل هذه الممارسات القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يفرض على جميع الدول احترام حق كل فرد موجود بالعيش بحرية في بلد ما، بما في ذلك تكوين الجمعيات، من دون تمييز.
(ه) إنّ نضال العمال في رامكو ما هو إلا انعكاس للطبيعة الاستغلالية لنظام الكفالة الذي ترك العمّال المهاجرين تحت رحمة أرباب العمل ووكالات التوظيف نتيجة إهمال الحكومة، في ظل غياب أي قانون عمل يمكن أن يحميهم. إن إلغاء نظام الكفالة على وجه السرعة هو القرار الهيكلي الوحيد الذي يمكن أن يضمن السلامة الجسدية والعقلية والمادية لجميع العمال المهاجرين في لبنان.
قامت لجنة الوقاية من التعذيب بزيارة مراكز احتجاز (نظارة) قصر العدل في بيروت في 24 تموز/يوليو 2020، حيث كان 241 محتجزًا ينتظرون في موقف السيارات الواقع تحت جسر الرئيس الياس الهراوي، في حين وصلت الحرارة إلى 33 درجة مئوية. يواجه عدد كبير من مراكز الاحتجاز في لبنان مشكلة الاكتظاظ، ويعود السبب في ذلك جزئيًا إلى ارتفاع عدد الأشخاص المحتجزين على ذمة المحاكمة، غير أنّ مراكز احتجاز قصر العدل في بيروت هي أسوأ مثال مقارنة بالمراكز الأخرى ضمن نظام السجون والنظارات في لبنان، بسبب ارتفاع معدل الجريمة في المدينة ومحيطها. تخلل الجزء الأول من الزيارة جولة في مركز الاحتجاز الأساسي التابع لقصر العدل في بيروت، والواقع تحت الأرض في المبنى نفسه. وكان مركز الاحتجاز مكتظًا بالناس، لكنّ المحتجزون يعتبرون محظوظين مقارنةً بالآخرين المحتجزين في النظارة الخاضعة لإدارة قصر العدل في بيروت والتي يُشار إليها بـ”تحت الجسر”. وتجاوز العدد الإجمالي للمحتجزين في كلا مركزي الاحتجاز خلال يوم الزيارة 300 محتجز.
وجاءت استنتاجات الزيارة على النحو التالي:
(أ) إنّ الظروف المعيشية في مراكز احتجاز قصر العدل في بيروت مروّعة، إذ لا تفتقر إلى المرافق والخدمات والبنية التحتية الملائمة فحسب، بل أيضًا إلى حسن تطبيق القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء. وبالتالي، فإنّ البيئة التي يعيش فيها المحتجزون غير صحية بسبب الاكتظاظ الشديد؛ والرطوبة العالية وغياب وسائل التدفئة والتبريد؛ والافتقار إلى ضوء الشمس، ما يؤدي إلى تعرض السجناء للأمراض، لا سيما التهابات الجهاز التنفسي والالتهابات الرئوية والجلدية الناجمة عن عدم التعرض لأشعة الشمس المباشرة والافتقار إلى الضوء الطبيعي؛ ناهيك عن انتهاك حق السجناء في الحفاظ على نظافتهم الشخصية.
(ب) طلب 44 محتجزًا من أعضاء لجنة الوقاية من التعذيب الحصول على مساعدة قانونية، وقد وثّقت اللجنة هذه الطلبات وأبلغتها إلى نقابة المحامين في بيروت ونقابة محامي طرابلس التي تضم لجان لإدارة المعونة القضائية. بما أنّه غالبًا ما يتم تكليف المحامين المتدربين بدلًا من المحامين ذوي الخبرة من نقابة المحامين عند طلب المعونة القضائية، تتأثر جودة التمثيل المقدم لطالبي المساعدة القانونية لأنّ هؤلاء المتدربون غالبًا ما يفتقرون إلى التدريب والإشراف المناسبين.
أما في القضايا المدنية، فتعتمد المساعدة القانونية في لبنان بشكل أساسي على الوضع المالي للطرف الذي يطلب المساعدة القانونية. وينص الفصل السابع من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني لعام 1983 على حق أي طرف بتقديم طلب لتلقي المعونة القضائية. وينطبق القانون على جميع الأشخاص الذين يحملون الجنسية اللبنانية، بمن فيهم الأشخاص المقيمين في لبنان، إذا لم يتمكن هذا الشخص من دفع رسوم المحاكمة وأتعابها. ويحق للطرف التقدم بطلب للحصول على مساعدة قانونية من أجل رفع دعوى أو الدفاع في محكمة الدرجة الأولى أو الاستئناف، كما يحق له طلب المساعدة في بدء قضية ما أو الدفاع عنها، أو حتى طلب الطعن فيها.
(ج) من بين 240 موقوفًا في مركز الاحتجاز، تمت إدانة 25 في المائة منهم على الأقل في محاكمة واحدة بانتظار محاكمات أخرى قبل نقلهم إلى السجن المركزي أو أي سجون أخرى في المناطق. ويُحتجز حوالى عشرة إلى خمسة عشر شخصًا في زنزانة واحدة صغيرة، بصرف النظر عن نوع الجريمة المرتكبة وخطورتها أو المشتبه بارتكابها.
(د) تغيب الشمس عن مركز الاحتجاز هذا، وكأنّ عناصر قوى الأمن الداخلي العاملين هناك ينفذون عقوبة بدورهم أيضًا، تمامًا مثل المحتجزين. حتى إنّ بعض الأشخاص لم يتعرّضوا لأشعة الشمس منذ أكثر من خمسة عشر شهرًا، بحسب ما اعترف به المسؤولون عن مركز الاحتجاز. وتفوح روائح كريهة من المكان بسبب مرور مياه راكدة بالقرب من خلايا السجن، كما تنعدم التهوية في المركز، ويعاني المحتجزون أيضًا من سوء التغذية. وبحسب بعض المحتجزين، لا يُسمح لهم بتلقي الأطعمة من أهاليهم، بحجة أنّهم قد يهرّبون لهم المخدرات في الطعام وبسبب الإجراءات الوقائية المتعلّقة بجائحة كوفيد-19. كما أنّ الرعاية الصحية معدومة في المركز، إذ يكثر عدد المحتجزين المصابين بأمراض جلدية، في حين أنّ التواصل مع الناس في الخارج ومع عائلات السجناء ضعيف جدًا، ولا يُسمح للسجناء بالوصول إلى الإنترنت.
(ه) شددت لجنة الوقاية من التعذيب على ضرورة اتخاذ المزيد من التدابير للحد من الآثار السلبية طويلة المدى لوباء كوفيد-19 على المحتجزين، وعلى الحرص على تقديم برامج اللقاح للأشخاص المحرومين من حريتهم. وحثت اللجنة كذلك قوى الأمن الداخلي على تحسين ظروف النظافة وإمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية في مركز الاحتجاز، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان حصول المحتجزين الذين تأثرت صحتهم العقلية بفيروس كوفيد-19 على المشورة الكافية والدعم النفسي والاجتماعي اللازم.
في 7 آب/أغسطس 2020، قامت لجنة الوقاية من التعذيب بزيارة طارئة إلى مركز الاحتجاز في قصر العدل في بيروت الواقع في موقف السيارات تحت جسر الرئيس إلياس الهراوي. وتلقى الخط الساخن التابع للجنة الوقاية من التعذيب مكالمات عدة من عائلات المحتجزين تزعم تعرضهم للضرب والإصابة. تبين للجنة أن قوات الأمن اللبنانية داهمت مركز الاحتجاز بعد ساعتين من انفجار بيروت الكبير عقب تنبيه من إدارة مركز الاحتجاز بأن المحتجزين كانوا يحاولون الهروب بسبب الأضرار الناجمة عن الانفجار، التي ألحقت بالأبواب الداخلية والخارجية لمركز الاحتجاز. في 4 آب/أغسطس 2020، وقع انفجار في مرفأ بيروت نتيجة احتراق كميّة كبيرة من مادّة نترات الأمونيوم المخزّنة، ما أسفر عن مقتل 218 شخصًا على الأقلّ، وإصابة 6500 آخرين بجروح، وإلحاق أضرار في منطقة المرفأ ومحيطه قُدّرت قيمتها بين 3.8 و4.6 مليار دولار أمريكي، إضافةً إلى خسائر اقتصاديّة بقيمة 2.9 و3.5 مليار دولار أمريكي، وذلك وفقًا للتقييم السريع للأضرار والاحتياجات في بيروت الذي أجرته مجموعة البنك الدولي.
وجاءت استنتاجات الزيارة على النحو التالي:
(أ) لم ترحب إدارة مركز الاحتجاز في الزيارة الثانية بوفد لجنة الوقاية من التعذيب كما فعلت في الزيارة الأولى. وحاولوا تأخير وصولها إلى مركز الاحتجاز بحجة أنها بحاجة إلى موافقة كل من إدارة قوى الأمن الداخلي والقضاء. ورد المدعي العام اللبناني غسان عويدات أولًا برفض الزيارة، مدعيًا تعليق جميع الزيارات بعد إعلان حالة الطوارئ في بيروت. وردًا على ذلك، كان على اللجنة أن تذكّر المدعي العام اللبناني بأن قراره يشكل انتهاكًا لأحكام المادة (9) بند (ج) من قانون 62/2016 والتي تنص على ما يلي: “لا يمكن للسلطة التنفيذية اتخاذ القرار بتعليق أو وقف عمل الهيئة في أي ظرف من الظروف، بما في ذلك حالات الطوارئ والحروب”. وبعد ساعات من استعداد لجنة الوقاية من التعذيب لإبلاغ وسائل الإعلام بالرفض، سمح عويدات بزيارة مركز الاحتجاز.
(ب) قدم كل من المحتجزين الذين التقت بهم لجنة الوقاية من التعذيب وإدارة مركز الاحتجاز معلومات تتعلق بما حدث. وذكرت الإدارة أن المدعي العام حقق في الحادث ورفع دعوى ضد 40 محتجزًا متورطًا في الاضطرابات. ووثقت لجنة الوقاية من التعذيب أن المداهمة أدت إلى وقوع 4 إصابات، معظمها في البطن، بسبب إطلاق قوات الأمن مقذوفات ذات تأثير حركي مثل الرصاص المطاطي وكميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع.
(ج) طلبت لجنة الوقاية من التعذيب رعاية فورية من طبيب مركز الاحتجاز لثلاثة محتجزين في حالة مرضية شديدة من بينهم محتجز مصاب بالسرطان وكان بحاجة إلى مساعدة طبية فورية.
(د) أوصت لجنة الوقاية من التعذيب بالسماح بزيارات عائلية لجميع المحتجزين على الفور، موضحةً كيف يمكن أن يساعد ذلك في نزع فتيل غضب عائلات المحتجزين الذين كانوا يتظاهرون خارج السجن. ومع ذلك، لم يُسمح لأربعة محتجزين بتلقي زيارات كعقاب من الإدارة.
(ه) أدى التحقيق في الحادث إلى نتيجة مفادها أن الافتقار إلى الإجراءات الأمنية كان أحد الأسباب الرئيسية التي ساعدت المحتجزين على استخدام إبر معدنية رفيعة مصنوعة يدويًا لفتح القفل بعد دقائق من وقوع الانفجار الذي ألحق أضرارًا بالابواب الخارجية والداخلية. ويُعدّ الحادث دليلًا آخر على ضرورة الإغلاق الفوري لمركز الاحتجاز المؤقت هذا.
في 31 آذار/مارس 2021، زارت لجنة الوقاية من التعذيب السجن المركزيّ في رومية، وهو السجن الرئيسيّ في البلد. وحصلت الزيارة استجابة لطلب الأسر بالاطّلاع على أوضاع السجناء بعد أنباء عن نقص في الموادّ الغذائيّة. وقبل يوم من الزيارة، اتّصل سجينان بالخطّ الساخن للجنة للتأكّد من الزيارة ولإعطاء بعض النصائح والمعلومات عن الوضع. ويستخدم العديد من السجناء في رومية الهواتف المحمولة المهرّبة وبرامج دردشة الفيديو عبر الإنترنت للتواصل مع العالم الخارجيّ. وبسبب نقص الموظّفين، قرّر وفد لجنة الوقاية من التعذيب أن تقتصر الزيارة على “المبنى ب” في السجن والمطبخ المركزيّ. يضمّ هذا المبنى عددًا من النزلاء المنتمين إلى تنظيمات مصنفة إرهابية. بُني سجن رومية في الأصل ليستوعب حوالي 2000 سجين، لكنّه يضمّ الآن نحو 3250 سجينًا. وأدّى هذا الاكتظاظ إلى وقوع أعمال شغب، بما في ذلك أعمال شغب حصلت مرّات عديدة خلال السنوات العشر الماضية، عندما فقد ضبّاط السجن السيطرة. ويعكس الاكتظاظ أيضًا ضعف السيطرة الأمنيّة في سجن رومية، حيث تصعب على قوّات الأمن الحفاظ على السيطرة الكاملة في ظلّ محاولات مجموعات من السجناء السيطرة على أجزاء من السجن.
في سجن رومية المركزيّ، كان الطعام يٌقدّم، بشكل عامّ، بكمّيّات كبيرة، ويُطهى في مطبخ السجن. في حين لم تتوفّر وجبات غذائيّة خاصّة للسجناء المصابين بأمراض مزمنة (مثل السكّريّ أو ارتفاع ضغط الدمّ أو اضطراب مستوى الدهون)، كانت سلطات السجن تسمح للسجناء بتلقّي الطعام الذي يعدّه أقاربهم، وذلك مع تقييد على الطعام المطبوخ بسبب نقص الموارد اللازمة للكشف عن تهريب المخدّرات للسجناء. أمّا إمداد السجن بالمياه فهو غير ملائم، والمياه غير صالحة للشرب، وتُستخدم للاستحمام والتنظيف. إنّ إمدادات مياه الشرب في السجن ليست جيّدة، ولا يتمّ فحصها بانتظام. كما أنّ المياه المُستخدَمة في الاستحمام والتنظيف لا يتمّ ترشيحها، والخزّانات الموجودة على سطح المبنى متّسخة وتحتوي على ديدان. وادّعى الموقوفون أنّ مياه الاستحمام الساخنة لا تتوفّر بانتظام، بخاصّة في فصل الشتاء.
وبسبب الأزمة الاقتصاديّة، خفّضت إدارة السجن كمّيّة اللحوم (لحم الضأن والدجاج) التي تقدّمها كلّ اسبوع. وأثار هذا التصرّف غضب السجناء الذين انتقدوا الإدارة، معتبرين أنّ ذلك سيجعلهم يتضوّرون جوعًا.
وجاءت استنتاجات الزيارة على النحو التالي:
(أ) أشار جميع السجناء والمحتجزين الذين قابلتهم لجنة الوقاية من التعذيب إلى أنّ الإجراءات القضائيّة البطيئة هي العامل الرئيسيّ الذي أضعف نظام العدالة في لبنان، ما ترك السجين أو المحتجز الضحية الرئيسية لهذه النواقص.
(أ) ظروف الاحتجاز في سجن رومية المركزيّ بعيدة كلّ البعد عن المعايير المقبولة. إنّ الإفراط في وضع السجناء في الحبس الانفراديّ ينتهك حقوق الإنسان لدى السجناء. يجب أن تحترم إدارة السجن القواعد والإجراءات المتعلّقة بأسباب الحبس الانفراديّ ومدّته، احترامًا كاملًا. يمكن أن يشكّل فرض هذه العقوبة تعذيبًا أو معاملة أو عقوبة قاسية أو لاإنسانيّة أو مهينة.
(ب) تهدّد الأزمة الاقتصاديّة وتفشّي فيروس كورونا وتقنين الكهرباء، حياة السجناء. فهم يعانون من انقطاعات شديدة في التيار الكهربائيّ ونقص في المياه وسط طقس شديد الحرارة وزنزانات مكتظّة. وتحدّث السجناء عن ارتفاع التضخّم في دكّان السجن، حيث يُسمح لهم بشراء بعض حاجاتهم. كما يقوم السجناء، بانتظام، بمقايضة الموادّ الغذائيّة والموادّ الأخرى. لقد أثّر تقنين الكهرباء، بشدّة، على السجناء بشكل خاصّ، في ظلّ غياب المراوح، وعدم توفّر ثلّاجات لتخزين الطعام، وعدم قدرة السجناء على تسخين الطعام باستخدام الميكروويف أو أيّ جهاز كهربائيّ.
(ج) لاحظت لجنة الوقاية من التعذيب أنّ الطعام غير صالح للأكل. للخبز رائحة نفّاذة، ولا يحصل السجناء إلّا على رغيفين يوميًّا. إنّ إدارة السجن غير قادرة حاليًّا على توفير جميع الأدوية والخدمات الطبّيّة للسجناء. ويُجبر بعضهم على دفع الرسوم الطبّيّة الخاصّة بهم، لا سيّما أولئك الذين يحتاجون إلى إجراء عمليّة جراحيّة. وفقًا للسجناء الذين قابلتهم لجنة الوقاية من التعذيب، فإنّ كمّيّة الطعام التي يوفّرها مطبخ السجن قد انخفضت بشكل كبير، ولم تعد تتضمّن اللحوم. ونفت إدارة السجن هذه المعلومات قائلة إنّ اللحوم تُقدّم مرّتين أسبوعيًّا. ولاحظت لجنة الوقاية من التعذيب أنّ كمّيّات كبيرة من الموادّ الغذائيّة قد تبرّع بها للسجن دارُ الفتوى (وهو مؤسّسة حكوميّة مكلّفة بإصدار الأحكام القانونيّة الخاصّة بالطائفة السنّيّة، وإدارة المدارس الدينيّة، والإشراف على المساجد).
(د) كشف سجناء في المبنى “ب” عن إصابة عدد منهم بالتهابات جلديّة وحسّاسيّات. وقد تعفّنت أسرّة بعض السجناء وملاءاتهم نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، والرطوبة العالية، وسوء التهوية. وعانى السجناء من انتشار الجرب، وهو التهاب جلديّ يسبّبه العثّ الذي يمكن أن يعيش على الجلد أشهرًا عدّة إذا تُرك بدون علاج. ووفقًا لشهادات السجناء، عُثر في خزّانات المياه في المبنى على فئران، وهي مضيف طبيعيّ للعثّ المجهريّ الذي يسبّب حكّة شديدة وطفحًا جلديًّا. وتحدّث السجناء أيضًا عن حسّاسيّات الجلد والحكّة التي يبدو أنّها نتيجة لسوء نوعيّة المياه.
(ه) كشف سجناء في المبنى “ب” أنّهم جدّدوا المبنى من مالهم الخاصّ. فقد دهنوا بعض جدران المبنى وكتبوا جملًا دينيّة وسياسيّة تتعارض مع قواعد السجون في لبنان وقوانينها.
في 14 نيسان/أبريل 2022، زارت لجنة الوقاية من التعذيب مركزين للاحتجاز تحت سلطة المديريّة العامّة لأمن الدولة – رئاسة مجلس الوزراء. وشملت الزيارة مركز الاحتجاز المركزيّ التابع لأمن الدولة في الجناح – بيروت (29 محتجزًا) ومديريّة حماية الشخصيّات (محتجز واحد). والتقت لجنة الوقاية من التعذيب برئيس فرع التحقيقات المركزيّة وضبّاط آخرين.
وجاءت استنتاجات الزيارة على النحو التالي:
(أ) لم يُصمّم مركز الاحتجاز المركزيّ التابع لأمن الدولة في الجناح – بيروت ليكون بمثابة مركز احتجاز. فالتركيبات الكهربائيّة واضحة ومرئيّة، وحجم الزنزانات والأقسام المشتركة تنتهك المعايير الدنيا لمراكز الاحتجاز، بما في ذلك حجم المبنى والموقع ونوعهما وتصميمهما.
(ب) ويرى الضابط المسؤول عن حقوق الإنسان في أمن الدولة أنّ أيّ حادثة تعذيب أو سوء معاملة يمكن أن تقع، هي حدث منفرد يتعارض مع التزامهم تطبيق اتّفاقيّة مناهضة التعذيب. وأعطى الضابط لوفد لجنة الوقاية من التعذيب نسخة مطبوعة من مدوّنة قواعد السلوك المعتمدة حديثًا لقوّات أمن الدولة اللبنانيّة. وتحدّد هذه المدوّنة معايير السلوك المهنيّة والأخلاقيّة لضمان احترام حقوق الإنسان وحماية الحرّيّات العامّة وفقًا للدستور اللبنانيّ والتزاماته في مجال حقوق الإنسان.
(ج) التقت لجنة الوقاية من التعذيب بمحتجز في مركز الاحتجاز المركزيّ التابع لأمن الدولة في الجناح – بيروت. وزعم أنّه تعرّض للتعذيب في مركز الاحتجاز التابع لأمن الدولة في الدكوانة في جبل لبنان، قبل نقله في ما بعد إلى بيروت. ورفض المحتجز منح الوفد الموافقة الشخصية على التحقيق في قضيّته، مطالبًا بفتح تحقيق في مركز الاحتجاز بشكل عامّ. وأعطت لجنة الوقاية من التعذيب المحتجز رقم الخطّ الساخن، وطلبت منه إبلاغ أسرته ومحاميه للاتّصال بالهيئة الوطنيّة لحقوق الإنسان، وإعطاء المزيد من التفاصيل بشأن وضعه.
(د) لاحظت لجنة الوقاية من التعذيب وجود كاميرات المراقبة داخل الزنزانات. ونبّه الوفد الضبّاط إلى عدم تركيب الكاميرات في الزنزانات والحمّامات، ولكن في ممرّ الغرف فحسب. وأوضح أحد الضبّاط أنّ هذه مسألة أمنيّة تحمي المحتجزين من التعرّض لسوء السلوك الجنسيّ، ناهيك عن القبض على الكثير من المخالفين الذين تصرّفوا بطريقة سيّئة. إنّ لجنة الوقاية من التعذيب سوف تناقش هذه القضيّة المثيرة للقلق مع المديرية العامة لأمن الدولة على المستويين السياسيّ والإداريّ.
في 29 نيسان/أبريل 2022، زارت لجنة الوقاية من التعذيب سجن الشرطة العسكريّة في الريحانيّة، جبل لبنان. تدير وزارة الدفاع الوطنيّ (قيادة الجيش) السجن. في البداية، التقى وفد لجنة الوقاية من التعذيب رئيس السجن للإبلاغ عن نطاق المعاينة. وتجدر الإشارة إلى أنّ مدير السجن الذي تمّت معاينته، أبدى تعاونًا طوال معاينة المكان.
وبعد تلقّي المعلومات المطلوبة لأداء الواجب، عقد وفد لجنة الوقاية من التعذيب اجتماعات خاصّة مع الأشخاص المحرومين من حريّتهم.
واعتُقل 79 مشتبهًا بهم وسجينان بقرار من مكتب المدّعي العامّ العسكريّ. وعادةً ما تكون فترة الاحتجاز محدّدة بـ 48 ساعة قابلة للتمديد مرّة واحدة فقط لمدّة مماثلة، بموافقة المكتب. والتقت لجنة الوقاية من التعذيب بمحتجزين لم تتمّ إحالتهم أمام المحكمة المختصّة. وحُكم على بعض هؤلاء السجناء في قضيّة واحدة، لكنّهم لا يزالون ينتظرون أحكامًا أخرى، ولهذا السبب اعتُقلوا لأكثر من عام في مركز الاحتجاز، ولم يُنقلوا أبدًا إلى سجن معترف به رسميًّا.
وجاءت استنتاجات الزيارة على النحو التالي:
(أ) أبلغ الضابط المسؤول لجنة الوقاية من التعذيب أنّ جميع المحتجزين الذين تمّ استدعاؤهم إلى وزارة الدفاع، يُستجوَبون بحضور محامٍ. وأفاد بأنّ المادّة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تُطبّق بالكامل في سجن الشرطة العسكريّة في الريحانيّة. وقد عدّل البرلمان المادّة 47 في 30 أيلول/سبتمبر 2020، لتضمن للمدّعى عليهم الحقّ في حضور محامٍ أثناء الاستجوابات الأوّليّة في الأجهزة الأمنيّة. وتضمن المادّة 47 للمدّعى عليهم الحقّ في التزام الصمت، والاتّصال بشخص من اختيارهم، مثل أحد أفراد الأسرة أو المحامي أو صاحب العمل، وأن يفحصهم طبيب شرعيّ. ويجب على ضبّاط الاحتجاز إبلاغ جميع المشتبه بهم المحتجزين بهذه الحقوق على وجه السرعة عند القبض عليهم. بموجب القانون اللبنانيّ، فإنّ الضبّاط الذين يخالفون ضمانات المادّة 47 هم عرضة للمحاكمة بسبب الاحتجاز غير القانونيّ.
(ب) وُضعت لافتات باللغة العربيّة في السجن تحدّد حقوق المحتجزين. ووُضع أيضًا صندوق لتقديم الشكاوى ضدّ الضبّاط مع نموذج استبيان يمكن أن يملأه السجناء.
(ج) يُقدّم للمحتجزين، ثلاث مرّات في اليوم، الطعام نفسه الذي يُقدّم للعسكريّين. خلال شهر رمضان، تُقدّم للسجناء الصائمين وجبتهم الأولى بعد غروب الشمس. يُزوّد السجن بمياه الشرب من محطّة مياه الضبية، وتُفحص بانتظام، وتختلف عن المياه المستخدمة للاستحمام والتنظيف. وتُؤمّن للمحتجزين مياه الاستحمام الساخنة مرّة كلّ يومين أو بحسب الحاجة.
(د) لاحظت لجنة الوقاية من التعذيب أنّ الكاميرات موجودة داخل الزنزانات. ونبّه الوفد الضبّاط إلى عدم تركيب الكاميرات في الزنزانات والحمّامات. وأوضح أحد الضبّاط أنّ هذه مسألة أمنيّة، عادة ما تكون طبيعيّة في السجون العسكريّة. إنّ لجنة الوقاية من التعذيب على سوف تناقش هذه القضيّة المثيرة للقلق مع وزارة الدفاع الوطنيّ (قيادة الجيش).
(ه) يحتُجز الموقوفون على ذمة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت في مركز الاحتجاز هذا أكثر من 20 شهرًا. أوقف القاضي اللبناني الذي يقود التحقيق عن مهامه بعد أن تقدم ضده وزراء سابقون بطلبات تنحية اثر استدعاؤهم للتحقيق في القضية. وأحالت لجنة الوقاية من التعذيب شكوى من اثنين من هؤلاء المحتجزين إلى الهيئة الوطنيّة لحقوق الإنسان للنظر في قضيّتيهما والتحقيق فيها، وإذا كانت تندرج ضمن الاعتقال التعسفي تحت واحدة من هاتين الفئتين: الفئة الأولى إذا كان من المستحيل التذرّع بأيّ أساس قانونيّ يبرّر الحرمان من الحرّيّة والفئة الثالثة، إذا كان عدم التقيّد، كلّيًّا أو جزئيًّا، بالمعايير الدوليّة المتعلّقة بالحقّ في محاكمة عادلة، المنصوص عليه في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان وفي الصكوك الدوليّة ذات الصلة التي قبلتها الدول المعنيّة، بهذه الخطورة، بحيث يعطي الحرمان من الحرّيّة طابعًا تعسّفيًّا.
من خلال عمليّات المعاينة في السجون ومراكز الاحتجاز المذكورة أعلاه، يُلاحظ أنّ قدرتها من حيث المساحة والموارد الماليّة والبشريّة غير كافية، ليس لحالات التدفّقات الهائلة فحسب، ولكن أيضًا للزيادات التدريجيّة في عدد المحتجزين في وقت قصير. ولوحظ وجود عدد كبير من التحدّيات التي يجب التغلّب عليها – حتّى في سياق حالات الطوارئ. يجب أن تتّخذ إدارة السجن إجراءات فوريّة للحفاظ على قائمة بالمترجمين للغات الرئيسية للسجناء الأجانب، وتحديثها. ويجب اتّخاذ إجراءات فوريّة في ما يتعلّق بحضور طبيب خلال فترة 24 ساعة، بهدف علاج السجناء والمحتجزين بما يتّفق مع التشريعات المعمول بها، وذلك لتجنّب الحالات غير المرغوب فيها. ومن الضروري اتّخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين مستوى النظافة والظروف الصحّيّة وترميم الحمّامات.
بإمكان الهيئة الوطنيّة لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب، من أجل أداء مهامّها، الوصول إلى جميع المعلومات الواردة من السلطات المختصّة بشأن المحتوى، والتَقدُّم المحرز في الشكاوى، والادّعاءات أو الملاحقات القضائيّة المتعلّقة بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة، أمام السلطات التأديبيّة أو الإداريّة. في 20 كانون الثاني/يناير 2020، طلبت لجنة الوقاية من التعذيب معلومات من مكتب المدّعي العامّ والمدير العامّ لقوى الأمن الداخليّ في ما يتعلّق بنتائج التحقيق في مقطع الفيديو المسرّب الذي يُظهر ضبّاط قوى الأمن الداخليّ يسيئون معاملة المحتجّين المحتجزين أثناء وصولهم إلى ثكنة الحلو في بيروت. إنّ سوء المعاملة التي سُجّلت بالفيديو ليست سوى غيض من فيض منذ أن بدأت المنظّمات المحلّيّة والدوليّة بتوثيق تعذيب المحتجزين وسوء معاملتهم في لبنان منذ سنوات. في 19 آذار/مارس 2020، تلقّت لجنة الوقاية من التعذيب رسالة من قوى الأمن الداخليّ تفيد بأنّ 9 من عناصرها يخضعون لعقوبات تأديبيّة بسبب هذه الحادثة. واعتبرت اللجنة أنّ نتائج التحقيق الداخليّ في قوى الأمن الداخليّ لم تكن شفّافة أو فعّالة، بخاصّة أنّ التحقيق لم تجره لجنة قوى الأمن الداخليّ لمناهضة التعذيب في السجون وأجنحة التوقيف ومراكز الاحتجاز ومرافق التحقيق.
خلال الاستجابة الحكوميّة الأخيرة لوباء كورونا، عملت لجنة الوقاية من التعذيب على تعميم ونشر التوصيات المذكورة في مشورة اللجنة الفرعيّة للوقاية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة، للدول الأطراف والآليّة الوقائيّة الوطنيّة المتعلّقة بوباء كورونا، وتطبيق هذه التوصيات (البروتوكول الاختياريّ لاتّفاقيّة مناهضة التعذيب). في 22 آذار/مارس 2020، كتبت لجنة الوقاية من التعذيب رسالة إلى رئيس الوزراء تطلب فيها توفير الحدّ الأدنى من الدعم وبناء القدرات لضمان أن يتمكّن أعضاء الآليّة الوقائيّة الوطنيّة وخبرائها من ممارسة سلطتها لزيارة أماكن الحجر الصحّيّ والحماية من التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانيّة. وردّت وزارة الصحّة العامّة على هذه الرسالة مشيرة إلى أنّ أماكن الحجر الصحّيّ التي أعدّتها الوزارة هي للحالات الطارئة، ولم تُستخدم بعد. في مرحلة لاحقة، حاولت لجنة الوقاية من التعذيب زيارة المستشفيات التي كانت تُستخدم للحجر الصحّيّ. للأسف، لم توفّر الحكومة معدّات الحماية الشخصيّة اللازمة للقيام بهذه المهمّة. في كانون الثاني/يناير 2021، دُعيت اللجنة للمشاركة في الاجتماعات التي عقدتها لجنة أنشأتها وزارة الداخليّة للتعامل مع جائحة كورونا في السجون ومراكز الاحتجاز. وبحسب التقارير التي قدّمتها هذه اللجنة، اقتصر تعريف “أماكن الحرمان من الحرّيّة” على السجون ومراكز الاحتجاز فحسب.
اعتمد القانون رقم 62 تعريف “الحرمان من الحرّيّة” من المادّة 4 (2) من البروتوكول الاختياريّ لاتّفاقيّة مناهضة التعذيب. ووفقًا للمادّة 22 (ب) من القانون 62، “الحرمان من الحرّيّة” يعني أيّ شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن أو وضع الشخص في مكان احتجاز عامّ أو خاصّ، حيث لا يُسمح له بمغادرة هذا المكان متى شاء، بأمر من أيّ سلطة قضائيّة أو إداريّة أو أيّ سلطة عامّة أخرى. وتقدّم المادّة 22 (ب) بعض الأمثلة على أماكن الحرمان من الحرّيّة التي تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، السجون وأماكن الاحتجاز ومراكز الشرطة ومراكز الأحداث والموانئ والمطارات والمستشفيات ومؤسّسات الأمراض النفسيّة في لبنان حيث يوجد أشخاص محرومون، أو ربّما محرومون، من حرّيّتهم. وتذكر المادّة ذاتها الجهات التي تشرف على هذه الأماكن، وهي: المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخليّ أو المديريّة العامّة للأمن العامّ، أو المديريّة العامّة لأمن الدولة، أو إدارة الجمارك، أو وزارة الدفاع الوطنيّ أو وزارة العدل. ويغفل هذا أيضًا الإشارة إلى موافقة السلطة العامّة أو رضاها على بعض أنواع الحرمان من الحرّيّة، وبالتالي يحدّ من التعريف القانونيّ “للحرمان من الحرّيّة” في لبنان. وتعتبر لجنة الوقاية من التعذيب أنّ البروتوكول الاختياريّ لاتّفاقيّة مناهضة التعذيب كان يهدف إلى تغطية مجموعة واسعة من الأماكن التي يُحرم فيها الأشخاص من حرّيّتهم، إمّا بتحريض من سلطة عامّة أو بموافقتها أو رضاها. وبالتالي، إنّ تفسير المادّة 4 بشكل منهجيّ، بالإضافة إلى مراعاة موضوع البروتوكول الاختياريّ وهدفه، يؤدّيان إلى استنتاج مفاده أنّه يجب تفسير المادّة 4 (2) من البروتوكول الاختياريّ على ضوء التعريف الأوسع المنصوص عليه في المادّة 4 (1) من البروتوكول الاختياري.
في 25 أيّار/مايو 2021، اعتمدت لجنة الوقاية من التعذيب اللائحة التالية بأماكن الحرمان من الحرّيّة في لبنان، بموجب ولايتها:
(أ) أماكن الحرمان من الحرّيّة الخاضعة لسلطة المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخليّ، وزارة الداخليّة. وتشمل السجون، ومرافق الاحتجاز السابق للمحاكمة، ومراكز الشرطة، ومراكز تأديب الأحداث، ومرافق الاحتجاز المؤقّت عند المعابر الحدوديّة، والمطارات، والموانئ، ومرافق التحقيق التابعة لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخليّ.
(ب) أماكن الحرمان من الحرّيّة الخاضعة لسلطة المديريّة العامّة للأمن العامّ، وزارة الداخليّة. وتشمل مرافق الاحتجاز المؤقّت، ومراكز الاحتجاز الإداريّ، ومراكز احتجاز اللاجئين، والملاجئ والمخابئ للمهاجرين والناجين من الاتجار بالبشر، ومرافق الاحتجاز المؤقّت عند الممرّات الحدوديّة، والمطارات، والموانئ.
(ج) أماكن الحرمان من الحرّيّة الخاضعة لسلطة المديريّة العامّة لأمن الدولة، رئاسة مجلس الوزراء، بما في ذلك مرافق الاحتجاز المؤقّت ومرافق التحقيق.
(د) أماكن الحرمان من الحرّيّة الخاضعة لسلطة المديريّة العامّة للجمارك، وزارة الماليّة، بما في ذلك أماكن الاحتجاز المؤقّت عند الممرّات الحدوديّة، والمطارات، والموانئ.
(ه) أماكن الحرمان من الحرّيّة الخاضعة لسلطة الجيش اللبنانيّ ووزارة الدفاع الوطنيّ. وهي تشمل سجونًا ومراكز احتجاز مؤقّت ومرافق، بما في ذلك الثكنات العسكريّة، ومراكز الاحتجاز السابق للمحاكمة التابعة للشرطة العسكريّة، ومرافق التحقيق التابعة للمخابرات العسكريّة.
(و) أماكن الحرمان من الحرّيّة و/أو تقييدها، الخاضعة لسلطة قوى الأمن النيابيّة المكوّنة من شرطة مجلس النوّاب وقوى الأمن الداخليّ والجيش اللبنانيّ. وهي تشمل مرافق الاحتجاز المؤقّت ومرافق التحقيق.
(ز) أماكن الحرمان من الحرّيّة و/أو تقييدها، الخاضعة لسلطة المنظّمات الحكوميّة وغير الحكوميّة، وتحت إشراف وزارة الصحّة العامّة أو في إطار وضعها التعاقديّ. وهي تشمل المستشفيات ومؤسّسات الأمراض النفسيّة التي تعالج الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في الصحّة العقليّة، وأماكن الحجر الصحّيّ، ومراكز رعاية المسنّين، بما في ذلك مرضى الخرف، ومراكز العلاج من تعاطي المخدّرات، ومراكز علاج إدمان الكحول، وأيّ مراكز علاج أخرى تشمل الحرمان من الحرّيّة أو تقييدها.
(ح) أماكن الحرمان من الحرّيّة و/أو تقييدها، الخاضعة لسلطة المنظّمات الحكوميّة وغير الحكوميّة، وتحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعيّة أو في إطار وضعها التعاقديّ. وتشمل دور الأيتام، والمدارس الداخليّة للأشخاص ذوي الحاجات الخاصّة، وملاجئ للناجين من العنف القائم على النوع الجنسانيّ، وملاجئ للناجين من الاتجار بالبشر، وملاجئ للناجين من العنف من مجتمع الميم، ومراكز رعاية المسنّين.
(ط) أماكن الحرمان من الحرّيّة أو تقييدها، الخاضعة لسلطة/ولاية البعثات الدبلوماسيّة في لبنان. وهي تشمل ملاجئ المهاجرات العاملات في الخدمة المنزليّة، والناجين من العنف القائم على النوع الجنسانيّ، والناجين من الاتجار بالبشر، أو الملاجئ الأخرى التي أنشأتها السفارات أو القنصليّات للمهاجرات العاملات في الخدمة المنزليّة داخل مباني السفارات ونطاق ولايتها الإقليميّة، أو خارجها.
(ي) أماكن الحرمان من الحرّيّة و/أو تقييدها، الخاضعة لسلطة المنظّمات الحكوميّة وغير الحكوميّة، وتحت إشراف وزارة التربية والتعليم العالي أو في إطار وضعها التعاقديّ. وتشمل دور الأيتام وأنواع أخرى من المدارس الداخليّة.
(ك) أماكن الحرمان من الحرّيّة، الخاضعة لسلطة وزارة العدل أو سلطة المنظّمات الحكوميّة وغير الحكوميّة الأخرى. وتشمل مراكز إصلاح الأحداث وإعادة تأهيلهم، والمراكز التأديبيّة، وجميع وسائل التدخّل الأخرى مع مرافق الأحداث والقاصرين.
(ل) أماكن الحرمان من الحرّيّة أو تقييدها، الخاضعة لسلطة جهات فاعلة من غير الدولة.
في 10 كانون الأوّل/ديسمبر 2021، تلقّت الهيئة الوطنيّة لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب شكوى من المواطن اللبنانيّ محمّد علي ربيع الحاجّ يزعم فيها أنّه تعرّض للتعذيب في 9 كانون الأوّل/ديسمبر 2021، حين كان يستجوبه الضبّاط العاملون في مفرزة بعبدا القضائيّة في قسم المباحث الجنائيّة الإقليميّة التابعة لوحدة الشرطة القضائية في المديريّة العامّة لقوى الأمن الداخليّ. وقبلت الهيئة الوطنيّة لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب الشكوى، وحقّقت فيها. وشمل ذلك، بالإضافة إلى مقابلة الضحيّة، فحصًا وتقييمًا من طبّيّين شرعيّين، ومساعدًا قانونيًّا لعرض قضيّته على المحكمة. في 24 نيسان/أبريل 2022، وافق قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان على تسجيل قضيّة محمّد علي ربيع الحاجّ، فيما أبدى المدّعي العامّ لمحكمة الاستئناف استعداده لعرض القضيّة على المحكمة العسكريّة. اعتبرت الهيئة الوطنيّة لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب أنّ المتابعة الرسميّة للشكوى ساعدت على إحالة قضيّة محمّد علي ربيع الحاجّ إلى القضاء العدلي (تسجيل القضيّة رقم 1707/2022).
أعدّت لجنة الوقاية من التعذيب كتابَيْن إرشاديّين، تضمنا دور الآليّة الوطنيّة للوقاية من التعذيب، بدعم من مشروع تعزيز الشرطة المجتمعيّة في لبنان الذي موّله الاتّحاد الأوروبيّ والذي نفّذته المؤسّسة الدوليّة والأيبيريّة-الأميركيّة للإدارة والسياسات العامّة. الكتاب الأوّل هو دليل مرجعيّ للجنة الوطنيّة لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب. والثاني هو دليل معالجة الشكاوى. وصمّمت لجنة الوقاية من التعذيب لافتات عن حقوق مناهضة تعذيب الأشخاص المحرومين من حرّيّتهم، وستُعلّق اللافتات خلال زياراتها السجون ومراكز الاحتجاز في العام 2022.
أجريت اتّصالات مع ممثّلي وكالات الأمم المتّحدة، والبعثات الدبلوماسيّة في لبنان، والمنظّمات الدوليّة الأخرى العاملة في لبنان في مجال حقوق الإنسان، وذلك بهدف تحديث المعلومات وتنسيق خطط العمل.
خامساً: المساءلة عن تنفيذ قانون “معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة” والصكوك القانونيّة الأخرى ذات الصلة
على الرغم من مرور الذكرى السنويّة الخامسة لإقرار قانون مناهضة التعذيب رقم 65/2017، فشلت السلطات القضائيّة اللبنانيّة في التحقيق في ادّعاءات التعذيب الخطيرة التي أدلى بها الضحايا. يُبرز فشل المدّعي العامّ في التحقيق في هذه الادّعاءات أوجه قصور خطيرة في كيفيّة تعامل القضاء اللبنانيّ مع شكاوى التعذيب. فالإجراءات الواردة في قانون معاقبة التعذيب تهدف إلى حماية الأدلّة وتوفير المساءلة عن جريمة التعذيب. ومع ذلك، وبعد مضي خمسة أعوام، فشلت السلطات في اتّباع القانون في 18 قضيّة.
تؤكّد لجنة الوقاية من التعذيب أنّ جميع المسؤولين عن إنفاذ القانون، بما في ذلك قوى الأمن الداخليّ وقوى الأمن العامّ والجيش، لا يزالون لا يطبّقون أحكام القانون رقم 65/2017، لا سيّما في ضوء التصرّفات الحاليّة للمدّعي العامّ، وهي مخالفة المادّة 4 من هذا القانون. لا يزال قسم المباحث الجنائيّة المركزيّة وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخليّ، ومديريّة المخابرات العسكريّة في الجيش اللبنانيّ، وأجهزة الأمن الأخرى التابعة للدولة، تجري تحقيقات تتعلّق بالتعذيب، على الرغم من أنّ قانون مناهضة التعذيب يحظّر على الأجهزة الأمنيّة إجراء تحقيقات بشأن التعذيب. إنّ التحقيق الذي تجريه الأجهزة الأمنيّة في الأعمال التي يرتكبها عناصرها، ليس مستقلًّا ولا محايدًا.
استدعت النيابة العسكريّة 17 ضحيّة تعذيب بسبب الاحتجاجات التي بدأت في 17 أكتوبر/تشرين الأوّل 2019، في انتهاك للقانون اللبنانيّ الذي ينصّ على أنّه يجب الاستماع إلى قضايا التعذيب ضدّ مسؤولي الأمن في محاكم عدلية، وليست عسكريّة. تتطلّب ادّعاءات التعذيب التي قدمها المحتجّون إجراء تحقيق شامل وعادل في المحاكم العدلية المختصّة. وإذا كانت ادّعاءاتهم صحيحة، يجب مساءلة الجناة، ومنح الضحايا تعويضًا مناسبًا.
سادساً: التعديلات المقترحة على القانون رقم 65/2017 بشأن “معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة” والصكوك القانونيّة الأخرى ذات الصلة
لا يفي القانون رقم 65/2017 بمتطلّبات المادّة 7 من العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة. وفي آذار/مارس 2022، نظرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للبرلمان في إعادة اعتماد تعديل القانون رقم 65/2017، بعد أن فشلت الهيئة العامة للبرلمان في التصديق على التعديلات المقترحة. لا يمتثل القانون 65 للمعايير المنصوص عليها في اتّفاقيّة الأمم المتّحدة لمناهضة التعذيب – التي صادق عليها لبنان في العام 2000. ولاحظت الهيئة الوطنيّة لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب أنّ القانون الحاليّ والعديد من التعديلات المقترحة تعرّف “التعذيب” بطريقة محدودة. وبالنظر إلى أنّ التعذيب قد يحدث أيضًا خارج إطار التعريف هذا، فمن الضروريّ إزالة القيود ذات الصلة.
يُدخل القانون رقم 65/2017 تعريف التعذيب في قانون العقوبات. ولاحظت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان أنّ صياغة التعريف تحدّ التعذيب على حالات التحقيق، والاستجواب، والتحقيق القضائيّ، والمحاكمة، والعقوبة. وبالنظر إلى أنّ التعذيب قد يحدث أيضًا خارج إطار هذه الحالات، على سبيل المثال كعقوبة على جريمة شخص آخر، فمن الضروريّ إزالة القيود ذات الصلة. علاوةً على ذلك، نوصي بتعديل المادّة 2 (الأحكام الخاصّة المتعلّقة بالأوامر غير القانونيّة) من القانون رقم 65/2017، بحيث تستبعد صراحة الظروف الاستثنائيّة، أو حالة الحرب أو التهديد بالحرب، أو عدم الاستقرار السياسيّ الداخليّ، أو أيّ حالة طوارئ عامّة أخرى، كمبرّر للتعذيب (المادّة 2 من الاتّفاقيّة). بالإضافة إلى ذلك، وكما هو مذكور في الملاحظات الختاميّة في اتّفاقيّة مناهضة التعذيب، يجب الانتباه إلى استبعاد الظروف الاستثنائيّة أيضًا مثل التهديد بالأعمال الإرهابيّة أو الجرائم العنيفة، فضلًا عن النزاعات المسلّحة، الدوليّة أو غير الدوليّة.
يجب تعديل القانون رقم 65/2017 لتجريم ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة أيضًا. ومن المهمّ أن نلاحظ أنّ التعذيب وضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة محظورة بشكل مطلق بموجب المادّة 7 من العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، وأحكام المعاهدات الدوليّة والإقليميّة الأخرى، وكذلك القانون الدوليّ العرفيّ. وينبع التمييز في الحماية من التعذيب وضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة من متطلّبات اتّفاقيّة مناهضة التعذيب التي وضعت بعض الالتزامات المحدّدة على الدول في ما يتعلّق بالتعذيب – في المقام الأوّل، في ما يتعلّق بالالتزام بتجريم أعمال التعذيب وتطبيق مبدأ الولاية القضائيّة العالميّة في هذا الصدد. وفي ما يتعلّق بالتعريفات، تُعرِّف المادّة 1 من اتّفاقيّة مناهضة التعذيب “التعذيب” على أنّه “أيّ فعل يتسبّب عمدًا بألم أو عذاب شديد (جسديًّا أو عقليًّا)، ويتورّط فيه موظّف عموميّ (بشكل مباشر أو بتحريض موظّف عموميّ أو موافقته أو قبوله، أو شخص آخر يتصرّف بصفة رسميّة)، ولغرض محدّد (أيّ انتزاع اعتراف، أو الحصول على معلومات، أو المعاقبة، أو التخويف، أو التمييز)”، ويجب قراءته بالاقتران مع المادّة 16 التي تتطلّب من الدول الأطراف منع حدوث “أفعال أخرى من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة التي لا ترقى إلى مستوى التعذيب على النحو المعرّف عنه في المادّة 1”. وتعرّف هذه المادة التعذيب على أنه شكل مشدّد من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة. وإنّ الأفعال التي لا يشملها التعريف الوارد في المادّة 1، حيث لم يكن الألم الناجم عن هذه الأفعال شديدًا، وبخاصّة الأفعال التي لا تتضمّن عناصر النيّة أو الأفعال التي لم تُنفّذ للأغراض المحدّدة الموضّحة، قد تشمل ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانيّة بموجب المادّة 16 من الاتّفاقيّة، بينما الأفعال التي تهدف إلى إذلال الضحيّة تشكّل ضروب المعاملة أو العقوبة المهينة، حتّى إذا لم ينجم عنها ألم شديد.
بموجب المادّة 3 من القانون رقم 65/2017 والمادّة 10 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة، تخضع جريمة التعذيب لسقوط الدعوى بتقادم مدّته عشر سنوات، وتبدأ فور إطلاق سراح الضحيّة. وطلبت اللجنة المعنيّة بحقوق الإنسان عدم إخضاع جريمة التعذيب لقانون التقادم لأنّ قوانين التقادم لا ينبغي تطبيقها بما أنّها تحرم ضحايا التعذيب من الإنصاف والتعويض وإعادة التأهيل. وقد قدِّمت لجنة الوقاية من التعذيب الطلب نفسه في وقت سابق في ملاحظاتها الختاميّة. وعليه، يجب تعديل القانون رقم 65/2017 بحيث ينصّ صراحة على أنّ جريمة التعذيب لا ينبغي أن تخضع للتقادم.
ينصّ القانون رقم 65/2017 على أنّه يُعاقب على جريمة التعذيب – تبعًا لعواقبها على الضحيّة – بالحبس من سنة إلى عشر سنوات، وإذا ماتت الضحيّة بسبب التعذيب، يُعاقب الجاني بالسجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة. ورأت اللجنة أنّ هذه العقوبات لا تعكس خطورة جريمة التعذيب. وعليه، يجب تعديل العقوبات بشكل مناسب. كما ذُكر أعلاه، ينبغي تعديل القانون رقم 65/2017 أيضًا لفرض عقوبات على ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة. وتجدر الإشارة إلى أنّ المادّة 4.1 من اتّفاقيّة مناهضة التعذيب، تنص على أنه يجب اعتبار جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب القوانين الجنائية الوطنية.
نصّت المادّة 1 (ج) من القانون رقم 65/2017 على أن “تحدّد المحكمة إجراءات إعادة تأهيل بالإضافة إلى التعويض الشخصيّ المناسب لضحايا التعذيب”. ولاحظت اللجنة أنّ هذا الحكم لا ينصّ على سبل انتصاف وجبر فعّالة، وطلبت أن تضمن الدولة حصول الضحايا، في القانون والممارسة، على جبر كامل، بما في ذلك إعادة التأهيل، والتعويض المناسب، وإمكانيّة التماس سبل انتصاف مدنيّة مستقلّة عن الإجراءات الجنائيّة.
ويقدّم التعليق العامّ رقم 3 للجنة الوقاية من التعذيب، الذي يشرح بالتفصيل تنفيذ الدول الأطراف المادّة 14 من الاتّفاقيّة، إرشادات مفيدة في هذا الشأن. وينصّ في جملة أمور على أنّ مصطلح “الإنصاف” يشمل مفهومَيْ “الانتصاف الفعّال” و”الجبر”. وهكذا، فإنّ نطاق الحقّ في الإنصاف يشمل الأشكال الخمسة التالية من الجبر: ردّ الحقوق، والتعويض، وإعادة التأهيل، والترضية، وضمانات عدم التكرار. ويجب أن يكون الجبر مناسبًا وفعّالًا وشاملًا. يتمّ تذكير الدول الأطراف بأنّه عند تحديد تدابير الإنصاف والتعويض المقدّمة أو الممنوحة لضحيّة التعذيب أو ضروب المعاملة، يجب مراعاة خصوصيّات كلّ حالة وظروفها، وينبغي تكييف سبل الإنصاف وفقًا للحاجات الخاصّة للضحيّة، وأن تكون متناسبة مع خطورة الانتهاكات المرتكبة ضدّها. وتشدّد لجنة الوقاية من التعذيب على أنّ تقديم التعويض له أثر وقائيّ ورادع متأصّل في ما يتعلّق بالانتهاكات المستقبليّة.
سابعاً: الملحق 1 لتقرير اللجنة الوطنيّة اللبنانيّة للوقاية من التعذيب إلى لجنة الأمم المتّحدة الفرعيّة لمنع التعذيب
تقدّم اللجنة الوطنية الوقاية من التعذيب التوصيات التالية:
تمكين المؤسّسات الوطنيّة اللبنانيّة لحقوق الإنسان والآليّة الوقائيّة الوطنيّة
التصديق على جميع المراسيم التنفيذيّة للقانون رقم 62/2016 ونشرها، من أجل التنفيذ الكامل للمادّتين 7 و30، ومن أجل الاحترام الكامل للمادّة 18 من البروتوكول الاختياريّ لاتّفاقيّة مناهضة التعذيب والمبادئ المتعلّقة بوضع المؤسّسات الوطنية (مبادئ باريس)، التي اعتمدتها الجمعيّة العامّة، القرار 48/134 بتاريخ 20 كانون الأوّل/ديسمبر 1993، وفي إشارة إلى الملاحظة العامّة رقم 1.10 للتحالف العالميّ للمؤسّسات الوطنيّة لحقوق الإنسان بشأن التمويل الكافي لهذه المؤسّسات.
تخصيص الموارد الماليّة للهيئة الوطنيّة لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب في الميزانيّة السنويّة العامّة (في فصل خاص ضمن باب مستقل في الميزانيّة)، وإنشاء تصنيف وظيفيّ في الميزانيّة العامّة يتعلّق بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها ومنع التعذيب.
المساءلة عن تنفيذ قانون “معاقبة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة” والتعديلات المقترحة
الاحترام والتنفيذ الكامل لقانون معاقبة التعذيب رقم 65/2017، والتحقيق في مزاعم التعذيب من قبل قاضي تحقيق عدلي، وليس الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى التحقيق في مزاعم التعذيب من خلال إجراء محاكمات عادلة في المحاكم العدلية المختصة بدلًا من المحاكم العسكريّة.
تعديل القانون رقم 65/2017 لتجريم ضروب المعاملة و/أو العقوبة اللاإنسانيّة أو المهينة، ولينصّ صراحة على أّنّ جريمة التعذيب يجب ألّا تخضع لقانون التقادم، وأن تُفرض عقوبات على ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المهينة.