لمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، نظّمت بلدية صيدا لقاءً حواريًا بعنوان:«الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب: دورها، صلاحياتها، وآلية عملها»، وذلك مساء يوم الأربعاء في قاعة مصباح البزري في مبنى البلدية.
حضر اللقاء رئيس بلدية صيدا المهندس مصطفى حجازي، وعدد من أعضاء المجلس البلدي، ورئيسة مؤسسة الحريري السيدة بهية الحريري، والنائب الدكتور عبد الرحمن البزري ممثّلًا بالسيد كريم البابا، والنائب الدكتور أسامة سعد ممثّلًا بالدكتور عبد القادر بساط، ورئيسة لجنة الأشغال في بلدية الهلالية السيدة هناء أبو مرعي عكرا، وأمين عام الحزب الديمقراطي الشعبي السيد محمد حشيشو، إضافة إلى عدد من الفعاليات وممثلي الجمعيات الأهلية والخيرية.

في مستهل اللقاء، رحّبت رئيسة اللجنة الاجتماعية في مجلس بلدية صيدا السيدة آنجي عطروني السبع أعين بالحضور، معتبرةً أن هذا اللقاء يشكّل خطوة تأسيسية نحو تعاون يهدف إلى ترسيخ ثقافة الحقوق، وتفعيل دور البلديات في حماية الحريات، ونشر الوعي المجتمعي بحقوق جميع الفئات، لا سيما الفئات المهمّشة.

بعد ذلك، تحدث رئيس بلدية صيدا المهندس مصطفى حجازي، فقال:
«أرحّب بكم في بلدية صيدا، وأشكر مشاركتكم في هذه الجلسة التي نعقدها بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لنؤكّد أن حقوق الإنسان ليست مفاهيم نظرية، بل ممارسات تبدأ من الإدارة المحلية، حيث التماس المباشر مع الناس».
وأضاف:
«في العمل البلدي، نترجم هذه الحقوق إلى سياسات وخدمات، فالكرامة تتجسّد في احترام المواطن وتطبيق القانون من دون إساءة، والسلامة العامة في إزالة التعديات الخطِرة وتنظيم السير وحماية المشاة، والبيئة السليمة في إدارة النفايات وحماية الشاطئ والملك العام. لقد واجهت صيدا أزمات متعددة، صحية واجتماعية واقتصادية، وكان خيارنا خلالها أن تكون الاستجابة البلدية مرتكزة على حماية الإنسان أولًا، مع ضمان عدم التمييز، وتسهيل وصول الفئات الأكثر هشاشة إلى الخدمات، والتأكيد أن الحق في المدينة هو حق للجميع».

وتابع:
«هنا تبرز أهمية عنوان جلستنا: الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في لبنان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب، بوصفها شريكًا أساسيًا للبلديات في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وبناء الثقة مع المواطنين. إن العلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمجالس المحلية هي علاقة تكامل، تلتقي فيها الولاية الوطنية مع الدور التنفيذي والخدماتي للبلديات، بما يسمح بتحويل المعايير إلى ممارسات ملموسة».
وأشار إلى أن المجالس المحلية تتحمّل دورًا محوريًا في إنجاح هذا المسار، من خلال التعاون مع الهيئة، وتسهيل مهامها، وتنفيذ توصياتها، واعتماد سياسات قائمة على حقوق الإنسان، وإشراك المجتمع في صنع القرار. وختم معربًا عن أمله في أن تسهم هذه الجلسة في تحويل النقاش إلى خطوات عملية، مؤكدًا أن حقوق الإنسان تُقاس في تفاصيل الحياة اليومية.

بدوره، عرض مفوض العلاقات الدولية والإعلام في الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب، السيد بسام القنطار، الأساس القانوني لإنشاء الهيئة، ولا سيما القانون رقم 62 الصادر بتاريخ 27 تشرين الأول 2016 وتعديلاته، المتعلق بإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمّنة لجنة الوقاية من التعذيب، إضافة إلى القانون رقم 12 الصادر بتاريخ 5 أيلول 2008، المتعلق بالمصادقة على انضمام لبنان إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
وقال القنطار:
«المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان تموّلها الدولة لكنها مستقلة عنها. فهي ليست منظمات غير حكومية، بل تعمل بمثابة جسر بين المجتمع المدني والحكومات. وتُعرف هذه المؤسسات بأسماء مختلفة من بلد إلى آخر، مثل مفوضية أو لجنة أو هيئة أو مجلس لحقوق الإنسان، أو مؤسسة أمين المظالم، أو الدفاع العام، أو التوفيق، أو الدفاع عن مصالح الشعب».
وأضاف أن الهيئة تعمل على حماية حقوق الإنسان وتعزيزها في لبنان وفقًا للمعايير الواردة في الدستور اللبناني، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة، والقوانين اللبنانية المتوافقة مع هذه المعايير، إضافة إلى أداء المهام الخاصة المحددة في قانون إنشائها، ولها في هذا الإطار أن تتواصل بشكل مستقل مع الهيئات الدولية والمحلية المعنية بحقوق الإنسان.
وأوضح أن من بين المهام الأساسية للهيئة:
رصد مدى تقيّد لبنان بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وإعداد ونشر التقارير الخاصة أو الدورية.
المساهمة المستقلة في إعداد التقارير المتوجبة على الدولة اللبنانية.
إبداء الرأي في كل ما تُستشار به الهيئة من المراجع المختصة، أو تبادر إليه من تلقاء نفسها، لا سيما لجهة احترام معايير حقوق الإنسان، بما في ذلك التشريعات والمراسيم والقرارات والسياسات العامة.
تلقي الشكاوى والإخبارات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، والمساهمة في معالجتها عبر التفاوض والوساطة أو عبر اللجوء إلى القضاء.
المساهمة في نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز برامج التربية عليها.

وفي ما يتعلق بلجنة الوقاية من التعذيب، أشار القنطار إلى أن القانون رقم 62/2016 يحدّد مهامها، بحيث تعمل ضمن الهيئة على حماية حقوق الأشخاص المحتجزين والمحرومين من حريتهم، وفق أحكام القانون والتزامات لبنان بموجب البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب. وفي ما يتعلق بواقع السجون، شدد على ضرورة تحسين أوضاع الاحتجاز، وتسريع البتّ في القضايا، والحد من الاستخدام المفرط للاحتجاز السابق للمحاكمة، وضمان نقل المحتجزين إلى المحاكم في الوقت المناسب، وتطبيق بدائل فعّالة للاحتجاز.
ولفت القنطار إلى أن هذا اللقاء في بلدية صيدا هو واحد من سلسلة لقاءات تسعى الهيئة إلى تنظيمها بالشراكة مع المجالس البلدية في مختلف المناطق اللبنانية، بهدف التعريف بالهيئة، وبآلية التظلّم أمامها، وتقديم الشكاوى، والتعرّف على الآلية العملية لتلقي الشكاوى ومتابعتها، إضافة إلى الدور الريادي الذي تطمح الهيئة إلى أدائه في نشر ثقافة حقوق الإنسان، ولا سيما بين الشباب والطلاب.
كما عرض القنطار جملة من الملاحظات حول واقع حقوق الإنسان في لبنان ودور الهيئة في حمايته وتعزيزه، مشيرًا إلى المستوى المرتفع لانتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وأثنى على إطلاق لجنة حقوق الإنسان النيابية خطة العمل الوطنية لحقوق الإنسان للفترة 2026–2030، مطالبًا بإيجاد إطار قانوني ملزم يضمن تنفيذ هذه الخطة من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وفي سياق متصل، تطرّق إلى الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، التي تتجلّى في فظاعة العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، رغم التوصل إلى قرار بوقف الأعمال العدائية منذ أكثر من عام، وما يرافق ذلك من انتهاك لكرامة الإنسان وحقوقه في سياق الحرب، واستمرار الاحتلال في عدد من المناطق، واعتقال عشرين أسيرًا لبنانيًا، إضافة إلى الإخفاء القسري لاثنين وأربعين مواطنًا آخرين.
ودعا إلى إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة ومزوّدة بالموارد الكافية للتحقيق في جميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، والجرائم المرتكبة بموجب القانون الدولي في لبنان منذ تشرين الأول 2023، وتوثيقها، وتحديد أسبابها الجذرية، تمهيدًا لضمان المحاسبة وتحديد المسؤوليات.
كما طالب بإحالة الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، عبر إلغاء التراجع عن قرار مجلس الوزراء الصادر في 26 نيسان 2024، القاضي بقبول اختصاص المحكمة في التحقيق في الجرائم التي تدخل ضمن ولايتها، والتي ارتُكبت على الأراضي اللبنانية منذ 7 تشرين الأول 2023، وذلك وفقًا للمادة 12، الفقرة 3 من نظام روما الأساسي.
ويأتي هذا اللقاء في إطار سعي بلدية صيدا والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان إلى تعزيز الشراكة بين السلطات المحلية والمؤسسات الحقوقية، وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان على المستوى المحلي، بما يساهم في حماية الكرامة الإنسانية وتعزيز الثقة بين المواطنين والمؤسسات العامة.

هذه المقالة متاحة أيضًا بـ: Français (الفرنسية) English (الإنجليزية)

