(الإنجليزية) This article is also available in: English
في خطوة جديدة تهدف إلى معالجة مشكلات الاكتظاظ داخل السجون اللبنانية وتخفيف الأعباء عن كاهل الأهالي في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان، باشرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان المتضمنة لجنة الوقاية من التعذيب، بالتعاون مع مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن “ديكاف”، بتنفيذ مبادرة هامة تستهدف تقديم طلبات إخلاء سبيل للموقوفين المستحقين أمام مختلف المحاكم اللبنانية. ولقد لاقت هذه المبادرة تعاوناً مشكوراً من قيادة سرية السجون وفرع السجون في قوى الامن الداخلي.
تتضمن هذه المبادرة تكليف مجموعة من المحامين بزيارة السجون المنتشرة في مختلف أنحاء لبنان، وذلك من أجل جرد ملفات الموقوفين وفحصها بشكل دقيق، بهدف تحديد الأشخاص الذين يستحقون تقديم طلبات إخلاء سبيل قانونية. تأتي هذه الخطوة في إطار سعي الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان لتخفيف الاكتظاظ في السجون اللبنانية، والذي أصبح يشكل مشكلة إنسانية وأمنية في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان.
ظروف صعبة واكتظاظ متزايد
تأتي هذه المبادرة في وقت تصاعد وتوسع العدوان الإسرائيلي ضد لبنان، وصولاً إلى العاصمة بيروت، والجرائم الحربية والانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي خرقت جميع القواعد المتعلقة بسير الأعمال العدائية دون أدنى احترام للحماية التي يمنحها القانون الدولي الإنساني لبعض الأعيان، بما في ذلك المستشفيات ومراكز الدفاع المدني والإسعاف والطوارئ والإغاثة. هذا الوضع يضع مراكز التوقيف والسجون في دائرة الاستهداف المحتمل.
ويعاني السجناء وأهاليهم على حد سواء من تداعيات هذه الأزمة، حيث تزداد الضغوط النفسية على الأهالي الذين يسعون لتقديم الدعم المالي لهم لتأمين حاجياتهم الأساسية في ظل نقص الموارد داخل السجون.
التعاون مع “ديكاف” وجرد الملفات
تقوم الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بتنفيذ هذه المبادرة بالتعاون مع مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن “ديكاف”، وهو مركز دولي معروف بدعمه للدول في تحسين إدارة قطاعات الأمن والعدالة. تم تكليف مجموعة من المحامين المختصين بزيارة السجون المختلفة في لبنان، وذلك بهدف مراجعة الملفات القضائية للموقوفين والتأكد من إمكانية تقديم طلبات إخلاء سبيل للأشخاص الذين تنطبق عليهم الشروط القانونية.
ويقوم المحامون خلال زياراتهم بتفحص الملفات القانونية لبحث تفاصيل قضايا الموقوفين بالتعاون مع ادارة السجن، والتأكد من توفر جميع المعايير التي تتيح تقديم طلبات إخلاء سبيل أمام المحاكم. تشمل هذه المعايير النظر في مدة التوقيف ومدى التقدم في المحاكمات، وحالة السجناء من حيث عدم وجود موانع قانونية أو مخاطر على الأمن العام تمنع الإفراج عنهم.
أهداف إنسانية وتخفيف الأعباء
تهدف هذه المبادرة إلى تحقيق عدة أهداف إنسانية واجتماعية في آن واحد. فمن جهة، تسعى إلى تخفيف الاكتظاظ في السجون اللبنانية الذي بات يشكل عبئاً كبيراً على الدولة، حيث تزداد نفقات إدارة السجون في ظل تزايد عدد الموقوفين. ومن جهة أخرى، تعمل هذه المبادرة على تخفيف الأعباء عن كاهل أهالي الموقوفين، الذين يجدون أنفسهم في ظروف صعبة في ظل ازمة التهجير والحرب العدوانية الإسرائيلية.
تساهم هذه المبادرة أيضاً في تسريع وتيرة العدالة، حيث يؤدي الإفراج عن الموقوفين الذين يستحقون إخلاء السبيل إلى تقليل العبء على الجهاز القضائي، وفتح المجال أمام المحاكم للتركيز على القضايا الأكثر تعقيداً والتي تحتاج إلى متابعة مكثفة. كما تساهم في تخفيف التوترات النفسية والاجتماعية داخل السجون، حيث يمكن أن يؤدي الاكتظاظ إلى تفاقم مشكلات العنف والانتهاكات.
دعم قضائي وتعاون مع الجهات المختصة
ولضمان نجاح هذه المبادرة، أجرى رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، الدكتور فادي جرجس، سلسلة من الاتصالات مع الجهات القضائية العليا في لبنان. فقد تواصل الدكتور جرجس مع رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود، ومع النائب العام التمييزي، القاضي جمال الحجار، من أجل تنسيق الجهود والتعاون بين الهيئة والسلطات القضائية لتسهيل عمليات تقديم طلبات إخلاء السبيل وضمان سرعة البت فيها.
وقد أبدت السلطات القضائية ترحيباً بهذه المبادرة، معربين عن استعدادهم للتعاون الكامل مع الهيئة والمحامين المكلفين لمتابعة الملفات القضائية للموقوفين وتسريع الإجراءات القانونية اللازمة. من المتوقع أن يكون لهذا التعاون أثر إيجابي كبير على عملية الإفراج عن الموقوفين المستحقين، خاصة في ظل وجود إرادة حقيقية لدى جميع الأطراف المعنية للعمل من أجل تخفيف معاناة السجناء وأهاليهم.
استمرار العمل ودعوة للمزيد من التعاون
تستمر الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، بالتعاون مع “ديكاف”، في متابعة زيارات السجون وجرد الملفات بشكل منتظم. ومن المتوقع أن تشمل هذه الجهود غالبية السجون اللبنانية على مدار الأسابيع المقبلة، حيث سيتم دراسة جميع الحالات الفردية للموقوفين لضمان أن تكون طلبات إخلاء السبيل المقدمة تستند إلى أسس قانونية متينة.
وتهيب الهيئة بجميع الجهات المعنية في الدولة اللبنانية بضرورة التعاون والمساهمة في إنجاح هذه المبادرة. كما تدعو جميع المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني لدعم هذه الجهود ومتابعة أوضاع السجون والموقوفين لضمان حماية حقوق الإنسان وتعزيز العدالة الاجتماعية.
نتائج مرتقبة وتأثيرات إيجابية
من المتوقع أن تؤدي هذه المبادرة إلى تحقيق نتائج ملموسة خلال الفترة المقبلة، حيث ستساهم في تقليل عدد الموقوفين في السجون، وبالتالي تحسين الظروف المعيشية داخلها. كما أن الإفراج عن الموقوفين الذين يستحقون إخلاء السبيل سيؤدي إلى تخفيف العبء عن الجهاز القضائي، مما سيساعد في تسريع عملية البت في القضايا المتراكمة.
في الختام، تعتبر هذه الخطوة الإيجابية التي قامت بها الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بالتعاون مع “ديكاف” بداية هامة لمعالجة مشكلات السجون في لبنان، وتعزيز حقوق الموقوفين. ومن الضروري أن تتواصل الجهود على مختلف المستويات لضمان استمرارية هذه المبادرة وتحقيق المزيد من الإنجازات في مجال حقوق الإنسان والعدالة.